شرع المسؤولون الجزائريون وخبراء الزراعة في تنسيق جهودهم من خلال التركيز على استخدام البذور الأصلية، في مسعى لتعزيز إنتاجية المحاصيل أملا في مواجهة موجة الجفاف التي تضرب البلاد منذ سنوات جعلت المجال من أضعف القطاعات مردودية. ويدفع هاجس تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء بشكل مستدام السلطات إلى مطاردة الجدوى من وراء توسيع مشاريع الزراعة العضوية، رغم التحديات التي تواجهها في طريق تجسيد أهدافها واقعيا. وكانت السلطات قد أطلقت الصيف الماضي بنكا للبذور قالت عنه أوساط زراعية إنه يعد ضمانا لتعزيز الأمن الغذائي والسيادة الوطنية، من خلال الحفاظ على التراث الجيني الزراعي وترقية الإنتاج المحلي للمحاصيل. وتصل سعة احتواء هذا البنك، ومقره المركز الوطني لمراقبة البذور والشتائل، إلى نحو ستة آلاف سلالة نباتية لمختلف أنواع البقوليات والحبوب والمحاصيل العطرية والطبية وغيرها. وبينما كان المغرب قد أسس في مايو العام الماضي بنكا للبذور للتأقلم مع التغيرات المناخية التي أضرت بزراعته، تعتبر تونس سباقة بمنطقة المغرب العربي في تأسيس مثل هذه الكيانات، حينما أنشأت في العام 2007 بنكا للجينات الزراعية. حميدة بن سليمان: لتحسين نوعية المنتجات يجب استعادة الأصناف المنقرضة حميدة بن سليمان: لتحسين نوعية المنتجات يجب استعادة الأصناف المنقرضة ويقول خبراء زراعيون إن الفرق الواضح الذي يمكن ملاحظته هو جودة المنتجات والقيم الغذائية العالية، التي تحملها البذور الطبيعية (الأصلية أو العضوية)، كما أنها تتمتع بقدرة أكبر على مقاومة الآفات والتأقلم مع الرطوبة، فضلا عن أنها قليلة الاستهلاك للمياه. وبدأت الكثير من الحكومات العربية خلال الفترة الأخيرة بالسير في هذا الاتجاه لتخفيف استخدام البذور الهجينة من أجل مقاومة التحديات والصعوبات، التي تواجه توفير الغذاء لسكان بلدانها. ويشكل استخدام البذور الطبيعية، أو كما يطلق عليها المصريون والسودانيون اسم “التقاوي” ذات الجودة العالية، من بين أهم المدخلات الزراعية ويمثل تكوينها الوراثي سقفا للإنتاجية التي تسهم في تحقيقها المدخلات الأخرى. ولتأكيد جدوى هذا الأمر، نظمت لجنة الفلاحة والصيد البحري وحماية البيئة في البرلمان ورشة عمل مؤخرا للوقوف واستكشاف آثار اعتماد هذا التوجه خلال السنوات المقبلة، والنظر في كيفية إزالة العوائق أمام دفع قطاع الزراعة إلى الأمام. وترى الأستاذة بالمدرسة الوطنية العليا للفلاحة حميدة بن سليمان أن إنشاء بنك للبذور يندرج ضمن رؤية إستراتيجية تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي وتحسين نوعية المنتجات ومواجهة التهديدات المناخية. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن بن سليمان قولها أثناء ملتقى نظمته الاثنين الماضي إن “الضرورة تقتضي استعادة بعض الأصناف المنقرضة”. وتقول السلطات إن مناطق غرب ووسط البلاد هي الأكثر تضررا جراء الجفاف، بينما كان الضرر أقل بمناطق الشمال الشرقي. 43 هو ترتيب البلد عالميا في الأمن الغذائي والخامس عربيا في 2022 وفق مؤسسة دييب نوليدجي أناليستس ويعد الوضع هذا العام استمرارا لظاهرة جفاف يعيشها البلد المدن على عوائد النفط والغاز منذ ثلاث سنوات، مما تسبب في تراجع مستويات السدود والمياه الجوفية وحتى الينابيع. وتعتمد الجزائر على مياه الأمطار بشكل كبير في قطاعها الزراعي وخاصة زراعة الحبوب بمناطق شمالي البلاد. ولم تعلن السلطات إلى حد الآن حالة الجفاف للموسم الحالي، لكن منظمات لمزارعين ووسائل إعلام محلية تنقل يوميا أن أهم المحاصيل، وخاصة الحبوب، تضررت بفعل شح الأمطار خلال الآونة الأخيرة. وكشفت الحكومة قبل أشهر أن أكثر من 163 ألف هكتار تحت تصرف ديوان التنمية الزراعية أصبحت بفعل الجفاف ضمن دائرة الأراضي الصحراوية. وتشمل إستراتيجية وزارة الفلاحة حاليا ترقية واستنباط أصناف عالية الإنتاجية والنوعية من البذور الأصلية، مع توفيرها كميات كافية لكل المناطق وتطوير نظم ضبط ومراقبة توزيعها. كما تركز السلطات على سنّ القوانين والتشريعات التي ستدعم سياسة استخدام البذور العضوية من حيث الإنتاج والتسويق عبر الهياكل المعنية وكذلك تقليص التكاليف على المزارعين. ومع ذلك، يعتقد المشاركون في الملتقى أن دعم قدرات الشباب أمر مهم لنجاح ذلك عبر تشجيعهم على إنشاء شركات ناشئة خاصة بتطوير البذور، والاستفادة من الإمكانيات المتاحة على مستوى الجامعات الجزائرية ومن البحوث العلمية في المدارس المختصة. وقالوا إن من الضروري بينها إنشاء بنك بذور محلي على مستوى كل ولاية (محافظة) من أجل الحفاظ على الخصائص الجينية وفقا للخصوصية الجغرافية لكل المناطق. كما دعوا إلى تعميم إنشاء المخابر المتخصصة في تحليل الأسمدة والبذور وإنشاء مراكز جهوية كفيلة بالحفاظ على جودة البذور. Thumbnail وشددوا في الوقت ذاته على أهمية إعداد إستراتيجية واضحة لتنويع الموارد الجينية الزراعية تدمج الأدوات الرقمية الحديثة لتجسيد أهدافها. وقالت رئيسة المخبر المركزي للمركز الوطني لمراقبة البذور سامية مزياني “يجب حماية البذور والتي تمثل الحلقة الأولية في الإنتاج الزراعي كوسيلة لرفع تحدي الحفاظ على الموروث البيولوجي المحلي واستدامة الأمن الغذائي لفائدة الأجيال القادمة”. وأعلنت الحكومة أواخر أبريل الماضي عن حزمة تدابير لمواجهة الوضع المناخي الذي وصفته بـ”الشح المائي”. وجاء في بيان لها أن وزيري الفلاحة عبدالحفيظ هني والري طه دربال قدما خطة حول ما اتخذ لمعالجة آثار الإجهاد المائي على المساحات الزراعية. ودفعت موجة الجفاف، التي أثرت على إنتاجية المحاصيل، الجزائر إلى زيادة التوريد. وتشير التقديرات إلى أن نسبة الاستيراد بلغت نحو 30 في المئة من احتياجاتها الغذائية سنويا على رأسها القمح، بقيمة تصل إلى 10 مليارات دولار. وفي يونيو العام الماضي، صنفت منظمة الزارعة والأغذية “فاو” الجزائر في المرتبة الرابعة عالميا، والثانية على مستوى قارة أفريقيا ضمن الأكثر استيرادا للقمح، وبمعدل سنوي يتراوح بين 7 و11 مليون طن. وتستهلك السوق المحلية ما بين نحو 9 و12 مليون طن سنويا من القمح بنوعيه اللين والصلب، غالبيته مستورد خاصة من السوقين الفرنسية والكندية. وكانت السلطات قد اعتمدت أواخر 2022 إستراتيجية جديدة لتأمين وحماية أمنها الغذائي، ولعل من أبرزها تخصيص نحو 6 مليارات دولار لتعزيز مخزون الحبوب. واحتلت الجزائر المركز الخامس عربيا في مؤشر الأمن الغذائي لعام 2022، بعد كل من الإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان، فيما حلت في المركز الثالث والأربعين عالميا من بين أكثر من 171 بلدا وفق مؤسسة دييب نوليدجي أناليستس. ويتم ترتيب الدول على المؤشر استنادا إلى أربعة معايير، تتضمن القدرة على تحمل تكاليف الغذاء ومدى توافره ونوعيته، بالإضافة إلى الموارد الطبيعية الخاصة بالحصول عليه.
مشاركة :