هجوم كنيس الغريبة بجربة التونسية يعيد معضلة الأمن الموازي إلى الواجهة

  • 5/10/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أعاد الهجوم الذي نفذه عنصر أمني أثناء اختتام احتفال ديني يهودي في كنيس الغريبة بجزيرة جربة التونسي (شرق) مساء الثلاثاء والذي أسفر عن مقتل شخصين أجنبيين وثلاثة من زملائه، إلى الواجهة مسألة الأمن الموزي داخل وزارة الداخلية. وهذا الكنيس هو الأقدم في أفريقيا وكان استُهدِف عام 2002 بهجوم انتحاري بعربة مفخّخة ما أسفر عن 21 قتيلًا. ويقول المراقبون إن معضلة الاختراقات للمنظومة الأمنية، لا تزال تطرح بقوة، رغم عملية التطهير التي قام بها وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين بإحالة حوالي 20 شخصية من كبار القيادات الأمنية في الوزارة على التقاعد الوجوبي. وقال عصام الدردوري رئيس المنظمة التونسية للأمن والمواطن "الأرجح أن الأحداث تتسارع في سياق التصعيد بعد الايقافات الأخيرة وربما يكون هذا الأمني من أحد المتهمين في أحداث إرهابية سابقة أوتكتيك لوجستي لها وخاصة أن هذا الأمني الذي وقع له غسل الدماغ تم تعينه قبل تعيين كمال الفقي واليا على تونس وقبل حتى تعيين الوزير الأسبق للداخلية توفيق شرف الدين مما يجعل الأمر يهم مزيدا من التحوير والتطهير والتغيير ويجب إعفاء جماعة الجهاز السري المشبوه ومحاسبتهم". وأضاف عبر حسابه على فيسبوك "على الوزارة المزيد من التمعن والتدقيق وطالما هذا الأمني تم استدراجه لمثل هذا المخطط الدنيء الممنهج منذ سنوات خلت ولأجل ذلك تم تعيينه عونا مندسا بين الأمنيين". وتكوّنت شبكة الأمن الموازي داخل الوزارة من العائدين بمقتضى العفو التشريعي العام مـن إطارات وأعوان وقعـت محاكمتهم سابقا بشبهة الانتماء لتنظيم إرهابي والانضمام لتيارات متشددة. وكان فتحي البلدي المكلف بمهمة سابقا بديوان وزير الداخلية منسقا لعدّة عمليات أمنية، وهو من أكثر الإطارات الأمنية اتصالا بمصطفى خذر المشرف على الجهاز السريّ لحركة النهضة وكان وراء تعيين المديرين العامين الذين قدّموا خدمات للحركة ذات المرجعية الإسلامية، كما أنه تدخل مباشرة في منح الجوازات لمواطنين أجانب. وتزامنت هذه العملية مع صدور مذكرة إيداع بالسجن ثانية في حق زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي بتهمة التخابر في قضية شركة "انستالينغو" المختصة في صناعة المحتوى والاتصال الرقمي. ويقول المراقبون إن هذه العملية تهدف لإحراج السياسات الصارمة للرئيس التونسي قيس سعيد لدحر اخطبوط الإرهاب وهي بمثابة رد على خطابه قال فيه إن تونس ستتجاوز ألغامهم. وقالت وزارة الداخليّة في بيان إنّ هجوم الثلاثاء نُفّذ على مرحلتَين. وأوضحت أنّ "عونَ حرسٍ تابعًا للمركز البحري للحرس الوطني... أقدم مساء الثلاثاء على قتل زميله باستعمال سلاحه الفرديّ والاستيلاء على الذخيرة"، مضيفةً "ثمّ حاول الوصول إلى محيط معبد الغريبة وعمَدَ إلى إطلاق النار بصفة عشوائيّة على الوحدات الأمنيّة المتمركزة بالمكان والتي تصدّت لهُ ومنعته من الوصول إلى المعبد وأردتهُ قتيلًا". وذكرت الوزارة أنّ اثنين من "زوّار" المعبد قُتِلا برصاص المهاجم قبل أن يتمّ إرداؤه، مشيرةً إلى "إصابة 4 أشخاص آخرين بجروح مُتفاوتة، تمّ نقلهم إلى المستشفى لتلقّي العلاج". من جهتها، أوضحت وزارة الخارجيّة التونسيّة في بيان أنّ "المتوفّيَيْن من الزوّار هما تونسيّ (30 عاما) وفرنسيّ (42 عاما)"، من دون أن تكشف هويّتَيهما. وأسفرت العمليّة أيضًا عن مقتل ثلاثة عناصر أمنيّن وإصابة خمسة أعوان أمن آخرين برصاص المهاجم، وفق وكالة الأنباء التونسية الرسمية. وفي أعقاب الهجوم، أعلنت السفارة الفرنسيّة في تونس أنّها أنشأت "خليّة أزمة" ورقمًا للطوارئ. من جهته، قال المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الأميركيّة ماثيو ميلر على تويتر، إنّ "الولايات المتحدة تندّد بالهجوم الذي وقع في تونس ويتزامن مع موسم الحجّ اليهودي السنوي الذي يجتذب مُصلّين من كلّ أنحاء العالم إلى كنيس الغريبة". وأضاف "نعرب عن تعازينا للشعب التونسي ونُثني على التحرّك السريع لقوّات الأمن التونسيّة". كما دانت فرنسا الأربعاء "بأكبر قدر من الحزم" الهجوم الذي وقع بالقرب من كنيس الغريبة، في جزيرة جربة التونسيّة (شرق) وأودى بحياة أربعة أشخاص بينهم فرنسي، واصفة إياه بالعمل "الشنيع". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية آن-كلير لوجاندر إن الهجوم "يذكر بشكل مؤلم الهجوم الانتحاري الذي أوقع 21 قتيلا في ذات الكنيس عام 2002". وقدمت الخارجية الفرنسية "تعازيها لعائلات الضحايا" مؤكدة أن سفارة فرنسا وخدماتها "في حالة تعبئة لتقديم الدعم لعائلة" الفرنسي والضحايا "المتضررين من هذا الهجوم". وأكدت لوجاندر "نقف إلى جانب تونس لمواصلة مكافحة معاداة السامية وجميع أشكال التعصب". ونُفّذ الهجوم في وقتٍ كان مئات المصلّين يشاركون في موسم الحجّ اليهودي السنوي في الغريبة والذي كان يوشك على الانتهاء مساء الثلاثاء في هذا الكنيس. وأكّدت وزارة الداخليّة أنّه "تمّ تطويق المعبد وحوزته وتأمين جميع" الموجودين داخله وخارجه، مشيرةً إلى أنّ "الأبحاث مُتواصلة لمعرفة دواعي هذا الاعتداء الغادر والجبان"، من دون أن تتحدّث في هذه المرحلة عن اعتداء إرهابي. وذكرت وسائل إعلام محلية من بينها إذاعة "موزاييك" أنه جرى إعادة عدد كبير من اليهود الموجودين في الكنيس إلى الفنادق وتأمينهم. وفي بادئ الأمر، أفادت وسائل إعلام تونسيّة بحصول إطلاق نار قرب كنيس الغريبة بعد مقتل عنصر أمن في ظروف غامضة. وقد سَمع إطلاق النار مئات المصلّين الذين كانوا موجودين في الكنيس للمشاركة في الحجّ السنوي، ما تسبّب في حال من الذعر في صفوفهم، حسب وسائل إعلام محلّية. وفقًا للمنظّمين، أتى هذا العام أكثر من 5000 يهودي، معظمهم من الخارج، للمشاركة في حجّ الغريبة الذي استؤنف السنة المنصرمة بعد انقطاع دام عامين بسبب كوفيد-19. ويُنظّم الحجّ إلى كنيس الغريبة سنويًّا في اليوم الثالث والثلاثين من عيد الفصح اليهوديّ، وهو في صميم تقاليد اليهود التونسيّين الذين لا يزيد عددهم على 1500، يعيشون بمعظمهم في جربة، في مقابل مئة ألف قبل الاستقلال عام 1956. ويأتي حجّاج أيضًا من الدول الأوروبّية أو الولايات المتحدة أو حتّى إسرائيل، لكنّ عددهم تضاءل إلى حدّ كبير بعد اعتداء عام 2002. وهذا الهجوم الذي استهداف الغريبة -وفق مراقبين- محاولة لضرب صورة تونس وهي تستقبل الموسم السياحي الجديد الذي سجل انتعاشة قويّة بعد تباطؤ حادّ خلال الجائحة. وعلى إثر سنوات عدّة من التدهور بسبب عدم الاستقرار الذي أعقب ثورة عام 2011، تأثّر هذا القطاع الرئيسيّ للاقتصاد التونسي إلى حدّ كبير بعد هجمات في عام 2015 استهدفت متحف باردو في تونس وفندقًا في سوسة، وأسفرت عن 60 قتيلًا بينهم 59 سائحًا أجنبيًّا. وبعد ثورة2011 الشعبيّة التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي، شهدت تونس صعود جماعات جهاديّة، لكنّ السلطات تؤكّد إحرازها تقدّمًا كبيرًا في مكافحة الإرهاب خلال السنوات الفائتة. ويأتي الهجوم أيضًا في وقتٍ تشهد تونس أزمة ماليّة حادّة تفاقمت منذ أن تفرّد الرئيس قيس سعيّد في يوليو 2021 بكامل السلطات بالبلاد.

مشاركة :