سوريا في مرحلة سياسة حافة الهاوية

  • 2/18/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الكلام الكثير هذه الأيام عن وقف إطلاق النار في سوريا يبدو طحنًا في الهواء، في الوقت الذي تشتد فيه الحرب وتدرك كل الأطراف المعنية أن الأزمة أبعد ما تكون عن الحل، وأن الأمور تتجه في الواقع نحو التصعيد. في كل الأحوال فإن وقف إطلاق النار، الذي يدور الحديث حوله، هدفه توصيل المساعدات الإنسانية للمناطق المحاصرة، وليس وضع الأزمة في طريق تهدئة شاملة تهيئ لحل سياسي. فقد استبق الروس والرئيس السوري بشار الأسد الكلام عن اتفاق وقف النار، بالإعلان عن أن الأمر لن يعني وقف العمليات العسكرية ضد «الإرهابيين»، وهو ما يشير إلى أن قوات النظام السوري ستواصل تقدمها على الأرض مستفيدة من الزخم الذي حققته عملياتها الأخيرة بدعم من حليفيها الأساسيين، روسيا وإيران. الأزمة السورية دخلت الآن مرحلة سياسة حافة الهاوية، لأن الأطراف المعنية ترى أنها بلغت نقطة مصيرية في حساباتها السياسية والاستراتيجية، وأن الأوضاع على الأرض غيرت المعادلات وفرضت واقعًا جديدًا. فروسيا ونظام الأسد وإيران يرون أن الأمور تسير لصالحهم على الأرض، وأن بإمكانهم الآن استعادة حلب وقطع طرق الإمداد للمعارضة من تركيا، ثم التحرك لسد المنافذ من ناحية الأردن. وقتها يستطيع هذا التحالف إملاء شروطه في أي تسوية سياسية، وتصبح المعارضة في موقف ضعيف يضعها أمام خيارين؛ إما المضي في حرب استنزاف طويلة وانتظار حدوث تغيير في الموقف الدولي، أو القبول بتسوية مع النظام سوف تتضمن حتمًا الموافقة على بقاء الأسد. في الجانب المقابل تدرك أميركا وحلفاؤها في الغرب أن ترك الساحة لروسيا سيعني تغييرًا في الموازين الاستراتيجية ستكون له انعكاسات كبيرة إن لم تكن خطيرة، خصوصًا مع عودة أجواء الحرب الباردة والحروب بالوكالة. المشكلة أن الخيارات باتت محدودة في ظل التمدد العسكري الروسي في أرض سوريا وأجوائها، والذي جعل خطر مواجهة عسكرية بين الدول الكبرى جديًا وحقيقيًا. فالتدخل العسكري لدعم قوات المعارضة يعني رفع احتمالات مواجهة عسكرية مع الروس، أما الانسحاب فمعناه ضربة لنفوذ الغرب ومصالحه في المنطقة لا سيما أن حلفاء أميركا في المنطقة بدأوا يفقدون الثقة فيها ويعيدون النظر في بدائلهم. إدارة أوباما تسببت إلى حد كبير في هذا الوضع بسبب سياسة التردد التي انتهجتها خلال خمس سنوات من عمر الأزمة السورية، وتركيزها على محاربة «داعش» بدلا من اعتبار محاربة التنظيم جزءًا من استراتيجية أكبر لمعالجة الأزمة السورية. كذلك فإن أوباما ركز جهوده على الملف النووي الإيراني، ولم يرد للأزمة السورية أن تؤثر على هدفه في التوصل إلى اتفاق مع طهران الحليف الأساسي لنظام الأسد. روسيا رأت في ذلك فرصة لكي تتدخل بشكل واسع ومباشر في سوريا تحت راية حرب الإرهاب وبهدف دعم نظام الأسد. وخلال فترة وجيزة نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قلب المعادلات كليًا على الأرض، وفرض واقعًا جديدًا أصبحت معه دوائر عديدة في الغرب تتحدث عن استبعاد إطاحة الأسد. بيتر فورد السفير البريطاني السابق لدى سوريا كان أحد من أفصحوا علنًا عن أن الغرب بات عليه تقبل أن الأسد جزء من الحل ولا بد من التعامل معه. بل إنه ذهب أبعد من ذلك عندما اعتبر أن حرب الإرهاب تقتضي التعاون مع قوات الأسد وليس المعارضة. فورد لم يكن وحيدًا في هذا الطرح فقد تبناه آخرون نافذون من بينهم رئيس الأركان البريطاني السابق الجنرال اللورد دانات، الذي انتقد علنًا سياسة الحكومة البريطانية، داعيًا إلى التعاون مع النظام السوري لهزيمة «داعش» باعتبار أن ذلك «أفضل الخيارات السيئة المتاحة». الحقيقة أن الحرب على الإرهاب و«داعش» تخفي في طياتها أجندات متضاربة وأهدافًا متباينة، مثلما أن الأزمة السورية لم تعد حربًا سورية، بل أصبحت حربًا إقليمية ودولية بالوكالة. فإذا كانت هناك أصوات غربية تدعو للتعاون مع نظام الأسد لـ«حرب الإرهاب»، فإن هناك أصواتًا أخرى تدعو لدعم التحالف العربي – التركي باعتباره الخيار الوحيد أمام الغرب، لأن البديل هو ترك الساحة للروس وتحمل التبعات الإقليمية والاستراتيجية الناجمة عن ذلك. الداعون لهذا الخيار يرون أنه يمثل فرصة أيضا للضغط على نظام الأسد وإجباره على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم تنازلات. روسيا سعت لأن تقطع الطريق أمام هذا الاحتمال بالتحذير من أن أي عملية عسكرية برية تقوم بها قوى خارجية في سوريا ستشعل حربًا عالمية. هذا الكلام ربما يكون بغرض التهويل، لأن روسيا لن تريد المجازفة بمثل هذا الاحتمال. المشكلة أن تعقيدات الوضع على الساحة السورية تجعل كل الاحتمالات والمخاطر واردة، خصوصًا أن الأطراف المعنية ترى أنها لا يمكنها التراجع في وقت تشتد فيه المواجهة الإقليمية والدولية، وترتفع حسابات الربح والخسارة التي لن تقف عند حدود الأزمة السورية.

مشاركة :