نسمع كثيراً عن الدول الفاشلة، وهو مصطلح مستخدم لوصف الدولة التي فقدت حكومتها السيطرة على أراضيها واقتصادها وشعبها. وغالبًا ما تكون الدول الفاشلة من بين أقل البلدان نموًا، مع انخفاض مؤشر التنمية البشرية. كما أن العديد منها مزقتها الحرب أو هي في حالة حرب، وغالبًا ما يتم تصنيف الدول الفاشلة من بين أخطر دول العالم، وأسواها للعيش أو الزيارة. تكافح الدولة الفاشلة من أجل تنفيذ السياسات العامة، وتشييد البنية التحتية الفعالة، وحماية الحريات المدنية وحقوق الإنسان، ويتمتع سكان الدولة الفاشلة بقدر ضئيل من الأمن المادي، ويفتقرون إلى منافع النظم السياسية والاقتصادية المستقرة. يتسبب عدم الاستقرار السياسي والاضطرابات المدنية وانعدام النظام في فشل الدول، ومع ذلك فإن مصطلح «الدولة الفاشلة» ليس مصطلحًا رسميًا مستخدمًا في القانون الدولي، ولا يعني بالضرورة أن الحكومة قد انهارت تمامًا؛ وإنما يشير إلى أن الدولة تمر بفترة عصيبة من عدم الاستقرار الشديد وهي معرضة لخطر أن تصبح غير قابلة للحكم تمامًا. وعلى العموم، فإن الدولة الفاشلة تفقد قدرتين أساسيتين هما القدرة على الحفاظ على سلطتها على شعبها وأرضها، والقدرة على حماية حدودها الوطنية. وبتوسع أكثر فإن الدول الفاشلة تعجز عن توفير الخدمات العامة الأساسية لشعوبها، وعن إنفاذ القوانين، وعن حماية المواطنين من العنف الداخلي أو العابر للحدود، وفي الحالات القصوى تدخل الدول الفاشلة في حروب أهلية أو مجاعات أو نزوح جماعي للمواطنين، وتسيطر عليها الشبكات الإجرامية، والمنظمات الإرهابية، والقوى الدولية التي تنتهز افتقار تلك الدول للأمن. وتضمحل القدرة الحاكمة للدولة الفاشلة بحيث تعجز عن الوفاء بالمهام الإدارية والتنظيمية المطلوبة للسيطرة على الأشخاص والموارد، وتكابد لتوفير الحد الأدنى من الخدمات العامة، وتصل لمرحلة اقتناع المواطنين أن حكومتهم غدت غير شرعية في نظر المجتمع الدولي. وبما أنه لا يوجد تعريف رسمي متفق عليه عالميًا للدولة الفاشلة، فإن هناك ملامح وسمات مشتركة تنزّل على الدولة؛ كتراجع القدرة على الدفاع عن الحدود الوطنية، ومراقبة أراضيها، وعدم قدرة الحكومة على احتكار استخدام القوة لردع الجريمة وحماية المواطنين والمقيمين. غالبا ما يتفشى الفساد والجريمة وانعدام القانون، وتتراجع الخدمات التي ترعاها الدولة بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم العام والبنية التحتية، ويتقهقر الاستقرار الاقتصادي، وترتفع معدلات البطالة، ويزداد التضخم بشكل كبير، وتفقد العملة قيمتها محليًا ودوليًا، وتضيع عائدات الضرائب، وغالبًا ما تمر الجرائم الاقتصادية بلا عقاب. تتسبب عدد من العوامل، بعضها أو جلها، في فشل الدولة؛ كعدم الاستقرار السياسي، وسوء الإدارة الاقتصادية، وعدم المساواة الاجتماعية، والصراع الإقليمي، والتدخل الأجنبي، والضغط الدولي واسع النطاق مثل الحظر التجاري أو العقوبات الاقتصادية، وتغير المناخ الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي. ينشر صندوق السلام، وهو مؤسسة غير هادفة للربح، نشرة سنوية لتحديد ما إذا كانت الدولة هي دولة فاشلة أو هشة فيما يسمى بمؤشر الدول الهشة (FSI) بحيث يقيس أداء كل دولة في أكثر من 100 مؤشر فرعي يتم تجميعها في عشرات المؤشرات بما في ذلك جهاز الأمن، والمنحنى الاقتصادي، وحقوق الإنسان وسيادة القانون، والخدمات العامة، ويتم بعد ذلك دمج هذه المقاييس في درجة تراوح بين صفر للأقل هشاشة، و120 للأكثر هشاشة، وينبه المؤشر الدول التي تتراوح درجاتها بين 60 و89، ويضع تحذيرا للدول التي تحصل على 90 درجة فأعلى. على هذا المؤشر هناك دولتان في وضع تحذير عال جدا هما اليمن والصومال، وثمان دول تقع في منطقة التحذير العالي تتصدرها سوريا، وفي المنطقة ذاتها دول منها السودان، جنوب السودان، أفغانستان، تشاد وماينمار. وتحتل 18 دولة فئة التحذير، و25 دولة ضمن فئة التنبيه العالي، أما عدد الدول ذات التنبيه المرتفع فقد بلغت لعام 2022م 63 دولة، وصنفت 18 دولة على أنها مستقرة منها دولة الكويت، و15 دولة أكثر استقرارا منها سلطنة عمان والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، و12 دولة مستقرة جدا منها الإمارات العربية المتحدة، وموريشيوس، و12 دولة مستدامة منها بعض الدول الأوروبية وكندا، و6 دول مستدامة جدا هي سويسرا والدنمارك ونيوزيلاندا، وايسلندا والنرويج وفنلندا. المشكلة في هذه المؤشرات أنها تتأثر ببعض القناعات والقضايا المثيرة للجدل كحقوق الإنسان، ولذلك فإن تصنيف المؤشر لدول مثل الصين وإندونيسيا والبحرين التي تتمتع بأنظمة سياسية مستقرة، واقتصادات قوية الأداء، وقدرة فائقة في تطبيق القانون، في فئة واحدة مع كوبا وأوكرانيا وتونس، وهي دول تعاني من أزمات مزمنة أو طارئة تؤثر على وظائف الدولة الأساسية، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التحيز المتعمد في التصنيف.
مشاركة :