الأسواق الصاعدة وعصر ارتفاع التضخم «1من 3»

  • 5/17/2023
  • 01:18
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في الحوار العام الدائر حول السياسة الاقتصادية، عادة ما تطغى التحديات التي تواجه الاقتصادات المتقدمة على تلك التي تواجه العالم النامي. ففيما يتعلق بالسياسة النقدية، على سبيل المثال، كانت القضية الفارقة في العقد الماضي هي الحد الأدنى الصفري لأسعار الفائدة والتضخم الذي كان منخفضا للغاية. لكن لم يكن لأي من هذه المشكلات تأثير كبير في الأسواق الصاعدة. فقد كانت تحدياتنا أكثر ارتباطا بكثير بالقضايا المعتادة، مثل منع التضخم من الارتفاع عن المستويات التي نستهدفها، ومقاومة المطالب بخفض أسعار الفائدة لرفع النمو الاقتصادي على المدى القصير، وتمويل مراكز المالية العامة غير المستدامة. والآن، مع تغير الحوار الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة لمعالجة ارتفاع التضخم، فإن الأسواق الصاعدة لديها ما تقدمه. فالبنوك المركزية في الأسواق الصاعدة تتمتع بخبرة واسعة في التعامل مع هذه الظروف، بما في ذلك الضغوط السياسية التي في الأغلب ما تعقب تشديد السياسات. وتبرز هنا ثلاثة من مجالات الخبرة: المجال الأول، يتعلق بإدارة صدمات العرض. وهذه الصدمات يصعب تفسيرها من منظور السياسة النقدية عندما تكون روتينية. فخلال الـ12عاما التي أمضيتها في لجنة السياسة النقدية في بنك الاحتياطي في جنوب إفريقيا، كان الوقت الذي قضيته في محاولة قياس تأثير صدمات العرض، والإبلاغ عن كيفية التمييز بين الآثار المؤقتة والدائمة، أطول من الوقت الذي قضيته في إدارة الضغوط على جانب الطلب. وشهد عديد من الأسواق الصاعدة تجارب مماثلة. وأحد جوانب المشكلة هو أنه حتى مع معدلات التضخم المعتدلة، يتعلم محددو الأجور والأسعار تتبع التضخم وربط أسعارهم. وهذا يعني أنه إذا لم تستجب البنوك المركزية للصدمات في الوقت المناسب، تزداد ضغوط الأسعار وتتغير توقعات التضخم. وهذا ما يزيد من عدم مواكبة السياسة للأوضاع القائمة، بحيث تترتب على الصدمات المؤقتة في النهاية آثار دائمة. وعلى مدار عدة أعوام، كانت الاستجابة المثلى لصدمات العرض هي الصيغة المعتادة في الاقتصادات المتقدمة، ألا وهي عدم الاستجابة، لأن الصدمة ستنحسر. لكن اقتصادات الأسواق الصاعدة أكثر ارتباطا بالمؤشرات وأقل قدرة على تحمل خسائر الدخل الحقيقي. والتضخم الذي نشهده اليوم من المرجح أن ينتشر في المستقبل. ولهذا السبب، تصبح استجابات السياسة لصدمات العرض مطلوبة في معظم الأحيان. واستحدث عديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة أطرا قوية لاستهداف التضخم من أجل تشكيل توقعات التضخم بصورة أفضل، وكان أداء هذه الأطر جيدا بشكل عام، وهو ما نتجت عنه مرونة السياسات. هذه الحاجة إلى منهج أكثر تميزا في الأسواق الصاعدة قد تستند بوجه عام إلى ارتفاع معدلات التضخم، وهو ما يمنح الناس حافزا قويا يدفعهم إلى تتبع مؤشر أسعار المستهلكين بدلا من افتراض استقرار الأسعار، فمعدلات التضخم لدينا مهمة بالنسبة إلى القرارات اليومية التي تتخذها الأسر والشركات... يتبع.

مشاركة :