هاروكي موراكامي هو كاتب ياباني ومترجم. حصل موراكامي على عدة جوائز أدبية عالمية منها جائزة فرانك كافكا عن روايته كافكا على الشاطئ، كما صنفته مجلة الغارديان على أنه أحد أبرز الروائيين على قيد الحياة في العالم، صدر له مؤخراً رواية ( 1Q84 )، في هذا الحوار يتحدث الروائي الياباني "هاروكي موراكامي" عن روايته "كافكا على الشاطئ" والعديد من الأفكار والألغاز التي احتوتها الرواية، وعن طريقته في كتابة الرواية. * ما الذي كنت تنوي قوله عن "أسطورة أوديب"؟ هل كنت تنوي ذلك من خلال روايتك "كافكا على الشاطئ"؟ أم أنه جاء طبيعيًا مع الكتابة؟ - "أسطورة أوديب" واحدة من عدة زخارف في الرواية ولم تكن بالضرورة عنصرا جوهريا. لقد خططت منذ البداية لكتابة رواية عن صبي في الخامسة عشرة من عمره الذي يهرب من أبيه وينطلق في رحلة بحث عن أمه. هذا بطبيعة الحال مرتبط بأسطورة أوديب، ولكن كما أسلفت لم آخذ الأسطورة في الاعتبار في البداية. حينما نكتب قصصنا بأنفسنا لا نستطيع مقاومة ربطها بجميع أنواع الأساطير. الأساطير بمثابة خزان يحتوي كل قصة موجودة هناك. * جميع رواياتك -باستثناء "الغابة النرويجية"- خصوصا روايتك الأخيرة تمتلئ بعنصر الفانتازيا الخيالية ما الذي دفعك إلى هذا المجال؟ - الغابة النرويجية كما ذكرت هي الرواية الوحيدة المكتوبة بأسلوب واقعي. لقد تعمدت ذلك، أردت أن أطور نفسي بأنني أستطيع أن أكتب رواية واقعية 100%. أعتقد أن هذه التجربة أثبتت أنها مفيدة لاحقا. لقد اكتسبت ثقة أنه يمكنني أن أكتب بهذا الأسلوب. وإلا فإنه كان سيكون من الصعب إكمال العمل الذي جاء بعد ذلك. كتابة الرواية بالنسبة لي هي مثل حلم. تتيح لي كتابة الرواية عمدا الحلم بينما لا أزال مستيقظا. يمكن أن يستمر حلم الأمس إلى اليوم، هذا شيء لا يمكنك فعله عادة في الحياة اليومية. كما أنها وسيلة للخوض العميق في وعيي الخاص. لهذا بالرغم من رؤيتي لها كحلم، إلا أنها ليس خيالًا. الحلم بالنسبة لي حقيقي جدا. * يظهر البحث السريع عنك في محرك البحث "قوقل" الكثير من المعجبين بك في أميركا. ينتظرون روايتك الجديدة بفارغ الصبر. لماذا برأيك –كروائي ياباني- أن رواياتك تمتلك كل هذا الصدى القوي لدى الجمهور؟ - أعتقد أن الأشخاص الذين يشاركوني أحلامي يمكن أن يستمتعوا بقراءة رواياتي. وهذا أمر رائع. قلت إن الأساطير بمثابة خزان للقصص وإن كان بإمكاني أن أمثل نوعا مماثلا لهذا الخزان حتى لو كان متواضعا فإن ذلك يسعدني. * ما هي بعض جوانب الثقافة اليابانية التي تعتقد أن القارئ يمكن أن يجدها في رواياتك؟ هل ثمة خصائص أخرى ترغب منا نحن الأميركيين أن نفهمها قبل حتى أن نمسك بروايتك؟ - حينما أكتب أضع بحسباني كل المعلومات بداخلي. ربما تكون هذه المعلومات يابانية أو غربية. أنا لا أميز بين الاثنين. لا أستطيع أن أتخيل كيف هي ردة فعل القراء الأميركيين تجاه هذا، لكن هذا لا يهم كثيرا إذا ما كانت القصة جذابة بالنسبة لهم إذا كنت لا تستطيع الإلمام بكل التفاصيل. أنا لست على دراية تامة بجغرافية لندن في القرن التاسع عشر على سبيل المثال، ولكنني ما زلت استمتع بقراءة "ديكنز". * قبل أن تصبح "ما بعد الحداثة" مصطلحا رنانا. اكتشف "كافكا" ظرفا معينا من العزلة مرتبطا في عالم الألفية الجديدة فيما بعد القنبلة النووية. هل تسمية بطلك على اسمه ناتج عن هذا الموضوع، أم أن لديك أسبابا أخرى؟ - غني عن القول أن "كافكا" واحد من كتابي المفضلين جدا. لكنني لا أعتقد أن رواياتي أو شخصياتي تأثرت به بشكل مباشر. أعني أن عالم "كافكا" الروائي عالم متكامل بحيث إن محاولة اقتفاء أثره ليست لمجرد العبث وإنما هي مخاطرة كبيرة بالفعل. ما أرى أنني أكتب الروايات بطريقتي الخاصة، وتفكيك عالم "كافكا" الروائي الذي كان نفسه يفكك النظام الروائي السائد. قد يلاحظ أحد أن هذا نوع من التكريم لكافكا. والحقيقة، لم أكن محيطا بماذا تعني "ما بعد الحداثة". لكن لدي شعور أن ما أفعله مختلف قليلا. على أي حال، كنت أود أن أكون كاتبا فريدا ومختلفا عن أي كاتب آخر. أريد أن أكون الكاتب الذي يروي القصص بعكس طريقة غيره من الكتاب. * أشرت في روايتك إلى "واقعة رايس باول هيل" التي فقد فيها مجموعة من الأطفال وعيهم خلال نزهة مدرسية في التلال. هل كان ذلك التحقيق المتخيل في تلك الحادثة له أساس في الأحداث التاريخية الحقيقية أو القصص الإخبارية؟ هل خبرتك كصحافي أمدتك بهذا الجزء من الرواية؟ - أفضل عدم الخوض في هذا. * "ناكاتا" الشخصية المحورية الأخرى، ضحية محبوبة في الحادثة المدرسية والذي كان على خلاف مع الجميع من حوله. ما الذي دفعك لابتكار هذا النوع من الشخصيات؟ - أنا مهتم دائما في الأشخاص الذين تسربوا من المجتمع، أولئك المنسحبون منه. معظم الشخصيات في "كافكا على الشاطئ" هي بمعنى أو بآخر خارج التيار الرئيسي. "ناكاتا" بالتأكيد واحد منهم. لماذا ابتكر شخصية مثله؟ يجب أن يكون ذلك لأنني أحبه. إنها رواية طويلة، ولابد أن يكون المؤلف قد أحب شخصية واحدة على الأقل دون قيد أو شرط. * تظهر القطط كثيرا في رواياتك وفي هذه الرواية خصوصا تلعب دورا لا ينسى. ما هو هدفك من الوصف التفصيلي لكيفية افتراس نحات مختل للقطط؟ لماذا القطط مهمة لشخصياتك أو قصصك؟ - يجب أن يكون ذلك لأنني مغرم شخصيا بالقطط، لقد كانت من حولي دائما منذ أن كنت طفلا. لكنني لا أعرف ما إذا كان لها أية أهمية أخرى. * يكتشف البطل "كافكا" أغنية "كافكا على الشاطئ" ويتساءل ما إذا كانت المرأة التي كتبتها تعرف ماذا تعني كلماتها. تقول شخصية أخرى "الرمزية والمعنى ليسا ضروريين هما شيئان منفصلان" بما أن روايتك والأغنية تشتركان في هذا العنوان. إلى أي درجة يحمل هذا التصريح أهمية؟ هل يشير رمزه إلى معنى أوسع؟ - لا أعرف الكثير عن الرمزية. يبدو لي أن هناك خطرا محتملا في الرمزية. ستشعر بارتياح أكبر في التشبيهات والاستعارات. أنا في الحقيقة لا أعرف ماذا تعني كلمات الأغنية. أو ما إذا كان لها أي معنى في المقام الأول. ربما تكون أسهل كثيرا للفهم إذا ما تعين على شخص ما أن يلحن كلماتها ويغنيها. * سمعنا أن ناشر روايتك الياباني قد أنشأ بالفعل موقعا على الانترنت لمساعدة القراء لفهم الرواية.. ولأننا لا نستطيع قراءة الموقع، هل يمكن أن تخبرنا بشكل موجز ما هي بعض الأسرار التي احتوتها الرواية؟ - وصلني عبر هذا الموقع في غضون ثلاثة أشهر حوالي ثمانية آلاف سؤال من القراء وأجبت بنفسي على أكثر من ألف ومائتين سؤال منها. كانت تتطلب الكثير من العمل، لكنني في الحقيقة استمتعت به. ما استنتجته من هذا التبادل أن المفتاح لفهم الرواية يكمن في قراءتها عدة مرات. قد يبدو هذا تسويق ذاتي. لكنه حقيقة. أعرف أن الناس مشغولون، وهذا يعتمد على ما إذا كنت ترغب شخصيا بفعل ذلك. لكنني اقترح إذا كنت تمتلك الوقت أن تقرأ الرواية أكثر من مرة. ينبغي أن تكون الأمور أكثر وضوحا في القراءة الثانية. أنا بالطبع قرأتها وكتبتها عدة مرات، وفي كل مرة أفعل ذلك ببطء لكن بالتأكيد تبدأ وتنتهي كلها بتركيز حاد. تحتوي "كافكا على الشاطئ" على العديد من الألغاز لكن لا يوجد أية حلول مقدمة. بدلا من ذلك ثمة العديد من الألغاز المجموعة، ومن خلال تفاعلها تأخذ إمكانية الوصول إلى حلها شكلا ما. وهذا الشكل الذي سيتخذه الحل سيكون مختلفا من قارئ لآخر. وبعبارة أخرى تعمل الألغاز كجزء من الحل. من الصعب شرح ذلك ولكن هذا هو نوع الرواية الذي كنت مستعدًا لكتابته. * تبدي جميع شخصياتك سواء في هذه الرواية أم في رواياتك السابقة اهتماما حقيقيا ظاهرا بموسيقى الجاز الكلاسيكية وموسيقى الروك. ما المقطوعات الموسيقية التي تندرج في قائمة تشغيل "موراكامي" من النوع الذي من شأنه أن يمثل المدى الموسيقي لرواياتك؟ - الموسيقى جزء لا يتجزأ من حياتي. كلما أكتب رواية، تأتي الموسيقى بتلقائية كما هو الحال مع ذكر القطط في رواياتي. حين كنت أكتب أحدث رواياتي "ما بعد الظلام" كان لحن كورتيس فولر "خمس بقع بعد حلول الظلام" يستمر داخل رأسي. تحفز الموسيقى الخيال دائما. عندما أكتب عادة ما تكون بعض موسيقى الباروكيه المنخفضة تعمل في الخلفية، وفي الحجرة الخلفية هنالك باخ وتيليمان وغيرهما. * كونك مؤلفا تقرأ من خلال الترجمة هلا حدثتنا عن ما تعتقد أنه يجعل الترجمة جيدة؟ - قمت بترجمة الكثير من الأدب الأميركي إلى اليابانية. وأعتقد أن هذا ما يجعل الترجمة جيدة قبل كل شيء. الشعور باللغة "وهذه نقطة واضحة جدا" وأيضا التعاطف العظيم مع العمل الذي يترجمه. إذا ما فقد أي من هذه العناصر فإن الترجمة ستكون بلا قيمة. ما لم يكن هناك سبب ما فإنني نادرا ما أعيد قراءة كتبي السابقة باليابانية لكنني أعيد أحيانا قراءة بعض الترجمات الإنجليزية. وأجدها ممتعة على وجه التحديد بسبب بعدها عن النص الأصلي. في معظم الحالات أستمتع حقا بقراءتها.
مشاركة :