1 مقلقة مقالات وأسئلة الكاتب والناقد السعودي محمد العباس، سواء أكنت مختلفا معه، أم غير مختلف. في منتصف ديسمبر من العام المنقضي توقفت أمام مقالته الماكرة "سيرة النص الروائي" المنشورة في إحدى الصحف العربية. سأضع تباعاً درجات الشبهة التي خصها الناقد للروائي العربي كما جاءت في مقالته: "نتساءل عن زهد الروائي، عجزه، أو عدم رغبته، امتناعه عن تصدير تجربته. لا يكاشف قراءه بعملية تخليق الرواية، ربما يترفع عن هذه المهمة. نتمنى، كما نتأمل، نفكر كثيراً، نتمنى أن نقرأ عن "فن الرواية" أن نتعرف عن.. أن نتقرب من مخاضات.. أن نطل على "الكاتب وكوابيسه"، أن نقف على.. يمكن التنويه بجهود الخراط، كذلك الالتفات إلى مطالعات إلياس خوري. لا يمكن التعامل معها إلا من منطلق تبريري تنصلي، القارئ يريد أن يتعرف سواء كان هذا الروائي تجريبيا أو تقليدياً. الغرض الذي أداه محمد شكري.. الروائي العربي ليس معنياً.. فهو لا يتواصل معهم، فهو يكتب على إيقاع عفو الخاطر، وليس بموجب فلسفة جمالية، ما يفسر شهادات معظم الروائيين التي تتلى على المنابر بالتلفيق والانتحال والاستعارة والفذلكة.. القارئ يريد التعرف على أصل الشخصيات، يتوق للتماس مع المنطلقات الفكرية والعاطفية. الروائي مهموم بإنجاز أكبر عدد من الروايات متنازل عن أداء أي دور تنظيري.. سيلاحظ إسهام معظم الروائيين على درجة من السطحية والإنشائية، خصوصا من الجيل الجديد.. الخ". 2 استشهدتُ بعموم الجمل والنعوت التي استخدمها الناقد في مساحة مقال واحد. ثم يبدأ مستشهداً بالأسماء الروائية العالمية ماركيز، امبرتو ايكو، يوسا، موراكامي، ميلان كونديرا، ساباتو وغيرهم.. يؤثث سؤاله أرضية عامرة بالغائبين الكثرة، والحاضرين الندرة الذين اشتغلوا على التنظير عبر سيْر أعمالهم الروائية، بأنماط أنظمة السرد وضبطها، إنعاش حركة الزمن التي يتعين على كاتب الرواية أن يوليها اهتماماً فائقاً. بالدروب التي اضطرت الشخصيات أن تقطعها، وتلك المنغصة التي عليها أن تدشنها، والثمن، الأثمان التي عليها دفعها، حين يلزم الأمر، وهو يلزم دائما، حين تضطر أن تدع الفضائل والأهواء والمساوئ كأجزاء من الأقنعة وآليات دفاع لها الخ. الناقد العباس يتوق لقراءة تنظيرات عربية على هامش أو من داخل عمل الروائي أو الروائية العربية. ثم عدد أسماء عربية اشتغلت على التنظير، أمثال: محمد برادة زهور كرام وشعيب حليفي، كل هؤلاء نقاد في الأصل بجانب تدوينهم للرواية! ربما، لم يصادفه أن القاص العراقي محمد خضير أنجز كتابا باهراً في؛ "السرد والكتاب، استعمالات المشغل السردي" دّون فيه بدقة معرفية آسرة، اشتغاله بتقنيات التحليل والتنظير لركائز الإرشيف القديم، والمباشرة باستنطاق نصوصه، من مكانه الذي لم يبارحه -البصرة-، وزمانه، هذا العصر باعتباره حالة رجراجة. كما لدى الروائية والقاصة والمترجمة العراقية لطفية الدليمي، فلها اشتغالاتها بالتنظير لبعض أعمالها أصدرتها تباعاً. 3 مقالة "سيرة النص الروائي" اهميتها تتبلور في دعوتها المعرفية، لكن نهجها بدا لي أنه تعسفي بعض الشيء، وكأن المعيار المطلوب من كل، وعلى كل روائي ، الاهتمام والاشتغال والاستعداد والتمسك والانشداد للتنظير لعمله الروائي وألا.. يبقى قريبا من الارتياب بمنجزه كله! هنا، علينا أن نطلع من النص قليلا: ولنأخذ على سبيل المثال؛ كوندرا الذي لا يعمل أي شيء إلا التنظير وكتابة الروايات وانتظار أرباح كتبه المترجمة إلى عشرات اللغات، استلام الجوائز والأسفار، مدفوعة الأجر!!. ماركيز نال نوبل وبقي يعمل بأجرمتقطع أو ثابت. أيكو، أكاديمي أُحيل إلى التقاعد، وله عمود أسبوعي برقم شاهق، ويشترك ببرامج مدفوعة الأجر، وأي كتاب من كتبه لا يبيع أقل من عشرة ملايين نسخة! هل نكتب حاشية كما كتب ايكو عن معظم الكاتبات والكتاب العرب وكيف يعيشون ويكتبون، فلدي قوائم ثورية وتقليدية في إرشيف مزدوج مابين التهديد والخرس والاختفاء والفصل التعسفي، والشبهة بكذا وكذا. معظم الكتاب العرب والعراقيين على الخصوص، ليس في تنظيرهم ما يسمى بالتقاعد أو مكافأة نهاية الخدمة، كما نالها أغلبية من الكتاب والكاتبات؛ المتعاون والمتعاونة مع الاحتلال الأميركي!! لا رواية ولا أي نوع من التنظيرات يحمي المؤلف/ المؤلفة من عوادي الزمن والجميع يعلم بذلك. شخصيا، شغوفة مثل الناقد لقراءة حفريات الروائيات والروائيين، ولكن، بالكاد، نواجه أنفسنا برواية لا بأس بها، وبالكاد، ربما، لا يقرأها الناقد العباس وباقي القوم من النقاد.. فتتم الإطاحة حتى بحقوق التأليف والتوزيع والبيع، فاليوم هناك من ينادي علانية؛ لتذهب جميع الأعمال والشخصيات إلى النار!
مشاركة :