الناقد محمد العباس: «تويتر» مسرح القسوة والصخب والمكر الدعائي

  • 3/30/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من بين كل التطبيقات في وسائل التواصل الاجتماعي يحظى تطبيق «تويتر» بأهمية ما، لذا نجد عديدا من الكتب التي تناولت ظاهرة «تويتر» صاحب التأثير الجماهيري. الناقد محمد العباس، الذي أصدر أخيرا كتاب «تويتر».. مسرح القسوة الذي يقرأ الخطاب الثقافي ويجادل الظواهر، التي تتشكل في «تويتر» ببعديها الاجتماعي والثقافي، كان هذا الحوار عن ذلك الكتاب، وعن رؤية الناقد محمد العباس للجانبين الثقافي والإبداعي، الذي يتشكل في «تويتر». لماذا يحظى "تويتر" بكل هذه الدراسات من دون كل تطبيقات السوشيال ميديا؟ والأمر الآخر ما ملامح القسوة في هذا التطبيق الافتراضي؟ لأسباب موضوعية وفنية يبدو "تويتر" أكثر إغراءً للفحص والدراسة، فهو المحل الذي تتصارع فيه كل القوى، وبجرعات مفهومية عالية مقارنة بتطبيقات السوشيال ميديا الأخرى، كما أنه منصة مواقف وآراء على كل المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية والأخلاقية؛ ولذلك يتصاعد فيه منسوب الصخب والتواجه ما بين القوى، مع حضور فاعل لمفاعيل السلطة بكل ثقلها ومكرها الدعائي، مع خاصية التحاور اللحظي؛ بمعنى أنه يحتفظ بطزاجة فورية تحقق مرادات الكائن الأونلايني، وهذا هو بالتحديد ما يؤهله لأن يكون مرآة الوعي والمواقف الأخلاقية للمجتمع. وفي المقابل، أتاح "تويتر" على المستوى الفني ظهور كتابات أدبية تجريبية ما زالت في طور التشكل، كفكرة السرديات متناهية الصغر بكل تجلياتها وتمثيلاتها الفنية؛ حيث تتموضع مجتمعة تحت مظلة ما بات يُعرف بالأدب الـ"تويتري" الآخذ في التبلور كجنس أو كلون إبداعي. ألا ترى أنك تختزل "تويتر" في أطياف محددة، وتغيب أطياف أخرى تسجل حضورا مختلفا، سواء أصحاب الهوايات المتنوعة أو الحسابات التعليمية أو المتعلقة بالثقافة وغيرها من الاهتمامات؟ "تويتر" أكبر وأوسع من أن يُحد في اتجاه أو قوة مهيمنة، ولكل فرد الحق في تمثيل حضوره كما يشاء، وبمقتضى قدراته واهتمامه. وهذا هو ما يفترض أن يحدث على قاعدة التنوع والتعدد والاختلاف والتشظي التي تحكمه، بما في ذلك الحسابات الحكومية والمؤسساتية والاجتهادات الفردية المعاندة لطقس العنف الـ"تويتري". ولكن حتى الكائن المسالم لا يسلم من الأذى بمجرد ظهوره على مسرح "تويتر"؛ حيث تناله شظايا الاعتراكات مباشرة، بعد أن يتم تصنيفه وفق قواعد الاشتباك العرقي والطائفي والمذهبي والأيدلوجي، لدرجة أن النخبة تطأفنت وتعنصرت في سياق البحث عن أنصار ومتابعين. فما يحدث على مستوى الأفراد ما هو إلا امتداد لصراع قوى أكبر. وهو مآل يعكس ضيق الذات العربية بمفاهيم الحوار والتعايش والتسالم والتجاور، وارتباك هذه المفاهيم لحظة التطبيق، في كل الحقول الثقافية والدينية والرياضية والاجتماعية، وهذا هو ما يفسر ضيق الهامش بالنسبة للمبدعين والأخلاقيين. المثقف إنساق وراء سجالات مُدبرة ومستنقعات بلا جدوى كيف تقرأ هذا الحضور؟ وهل ترى أنه يقدم حالة معرفية أم أنه يساير الإيقاع، ويتناغم مع الحالة العامة التي تسود في "تويتر"؟ اختصرت حضور المثقف ضمن ما أسميته التسوية الرديئة مع الضرورات الـ"تويترية"، حيث يعيش المثقف في هذا عزلة حقيقية، ليس مع من يتهمونه بالإقامة في البرج العاجي وحسب، بل مع أقرانه من المثقفين التائبين عن الثقافة، المتنازلين عن أداء فروضها الوظيفية، المنساقين وراء المتابعين وهوجاتهم اللحظية، بحثًا عن الجماهيرية والنجومية، لدرجة أن المثقف صار يُقاد ولا يقود؛ حيث تم استدراجه إلى أوحال ومستنقعات السجالات المدبرة، الخالية من المعنى والجدوى. في الوقت الذي يتوهم فيه أنه يقود كتائب المغردين إلى التنوير، ولذلك لم يتحول "تويتر" إلى حالة ثقافية بالمعنى المعرفي الإبداعي، بقدر ما بدا كلوحة للإعلان الإخباري عن الإصدارات والمناسبات، كما تضاءل حضور القضايا الثقافية بمقتضى زهد المثقفين في الاشتباك الثقافي. *كيف ترى الحضور المثالي للمثقف في هذا الواقع الجديد؟المثقف الحقيقي ليس ملزمًا بالانسياق وراء نجوم السوشيال ميديا، ولهاث العناوين المدبرة التي تُطرح بشكل لحظي في موقع "تويتر"؛ لأن "تويتر" ليس مجرد صندوق تصويت على القضايا والهموم اليومية التي لا تنتهي، بل لا تضيف إلى مكانة المثقف أي شيء داخل ما بات يُعرف بالفضاء العام، ولذلك تبدو استجابة المثقف إلى مقولة موت النخبة، حالة من الاشتراك المعلن في إماتتها، وهذا مظهر من مظاهر ما بعد الحداثة التي يصعب مقاومتها، ولكن ليس من المستحيل النجاة من طوفان التفاهة الملحق بها، فما بعد الحداثة التي وهبت صوتًا لكل فرد، لم تخرس المثقف، بل جعلت خطابه يصل بسرعة قصوى للجماهير. *القارئ مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي أصبح له حضور مختلف ولم يعد يلعب دور المتلقي.. كيف ترى هذا الأمر؟في الحقل النقدي ظهرت نظريات التلقي لتبشر بسلطة القارئ، الذي يشترك في استيلاد النص، وتحريك ماكينته بالقراءة الواعية، وذلك بسبب انتشار التعليم، وتأتي المعرفة لشريحة أوسع من أي وقت مضى، ودخول فضاء القراءة فصيل من المهتمين بصناعة النص وحيثيات العملية الإبداعية، وهذا ما حدث بالفعل قبل ظهور "تويتر"، الذي مكّن حتى أشباه المتعلمين من الإدلاء بآرائهم، وهنا لا بد من التفريق ما بين القارئ بمعناه الاستقبالي الواعي الذي يتجاوب مع الفكر النقدي، وبين المتصفح، الذي يقلب مواقع التواصل بعبث ولا مبالاة، بل بادعاءات مزيفة، وهذا الصنف الثاني هو موضع سؤالك على ما أعتقد، فهو أكثر جهلًا بقيمة النص، ولذلك يبدو أكثر جرأة في تقويمه للكتب، وإبداء رأيه فيها، خصوصًا أن عملية فحص النص لا تتطلب منه إلا أن يصفه بالجيد أو عدم الجيد.

مشاركة :