التركيبة السكانية في أحضان.. النائب الأول

  • 5/22/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

قرر مجلس الوزراء في اجتماعه منذ ثلاثة أسابيع إحالة التركيبة السكانية بكل أشواكها وألغامها إلى النائب الأول وزير الداخلية وزير الدفاع بالوكالة الشيخ طلال خالد أحمد الجابر، تأكيداً للثقة بخبرته وبقدرته على التعامل مع الثقيل والمعقد، مع يقيني بأنه سيعطي كل ما لديه لينجح في وضع خريطة واضحة واقعية لتركيبة المستقبل. ومع التقدير الشعبي لنشاطاته وحيويته، لا بد من التذكير بثلاث حقائق عليه التعامل معها بجدية، دون مجاملات، تستدعي الشجاعة الأدبية واستحضار الحزم الصلب، مع تعميق صلابة الجبهة الوطنية، وأول هذه الحقائق أن تبقى نسبة الوافدين محصورة بين %25 و%30 من مجموع السكان وفق مؤشرات الأمن العالمية المنفتحة، آخذين في الاعتبار حاجة الكويت إلى العمالة المؤهلة، وهذه النسبة تأخذ في الاعتبار قدرة الكويت على التعايش مع متطلباتها المعيشية والأمنية. وثاني الحقائق، ضرورات الكفيل، التي بسببها انتعشت تجارة الإقامات ووفرت مصدر دخل لآلاف من المواطنين المعتمدين على إجراءاتها، بالتوقيع على ورقة تمكن القادم من الوصول وتدبير أموره بالانخراط في تجمعات العمالة السائبة، ونظراً لسهولة إجراءات الكفيل التحق الكثيرون من موظفي الدولة، وبعضهم من الكبار، في صفوف المستفيدين من تلك التجارة، وقد انكشفت أسماء مقربة من الحكومة في لائحة الملتحقين بتجارة الإقامات، ممن شغل بعضهم مقاعد عالية في وزارة الداخلية. وثالث الحقائق، الاسترخاء الإداري والسياسي في تعامل الدولة مع هذه العقدة التي تراكمت كثرتها وتعقدت في حلولها. ولأن الاقتراب من هذه الحفرة واقع خطر، فلابد أن يكون العلاج شمولياً وبما يستدعي قيام النائب الأول بتواصلات مع مختلف التجمعات الكويتية التي لها احتكاك مع هذا البند المزعج، مثل غرفة التجارة، واتحاد البنوك، وتجمعات البعد الاجتماعي، إضافة إلى مشاركة الوزارات، مثل الشؤون والصحة والتعليم والنفط، وغيرها من ذات الاهتمام بهذا البند المؤثر. وأول شروط نجاح النائب الأول أن يجند كل طاقاته للقضاء على نزعة الاسترخاء وانحسار الاهتمام وعدم المبالاة، مع فتح باب التحاور، سياسياً وإعلامياً واجتماعياً، فلا بد من التهيئة المجتمعية لضرورات الترشيد الأمني، وتحفيز المجتمع بتقبل تبعاته، فلا داعي للمبالغة في استحضار عمالة منزلية أكثر من المطلوب، مع إغلاق المعابر في وجه العمالة السائبة، أوجدتها عيوب نظام الكفيل، ومن المفيد أن نلفت انتباه النائب الأول بأن تضخم هذه المشكلة تولد من غياب الحيوية السياسية الداخلية والتنموية، وجمود التفاعلات القيادية للقضاء عليها، وتواصل غياب الاستقرار السياسي، وكلها مجتمعة أظهرت الكويت بالدولة الرخوة التي غاب الانضباط عنها واتسعت أبوابها للمقاولين المتخصصين في تسفير العاطلين من بلدانهم نحو الكويت، عبر شبكات من النصابين، بمساعدات من انتهازيين ومن جميع الجنسيات موجودين في الكويت لتأمين وصول ضحايا النصب والاحتيال، مع توفير نوع من الحماية الصامتة للمقاولين المنخرطين في شبكات استحضار العاملين من بلدانهم. سيخوض النائب الأول في مستنقعات ملوثة بالفساد تولدت من جهل في قواعد الأمن وشروطه، ومن ثقة بيروقراطية إدارية حكومية في ضمير جميع المواطنين واحترامهم لمفهوم الكفالة والتزام شروطها، بينما الواقع يصرخ من التسابق لإحضار عمالة توفر للكفيل دخلاً شهرياً يأتيه كمكافأة على إخلاله بالقانون وتحقيره لمقام الدولة. وفوق ذلك، سيواجه النائب الاول صرخات واحتجاجات من بلدان التصدير إذا أصر على التزام متاعب ايجاد حلول لهذه العقدة، لأن دولة الكثافة السكانية الطاغية ترى في الخليج ساحةً لتخفيض بلاوي التضخم السكاني لديها مع تسهيل إبعاده عن موطنه، ولهذا عليه أن يعتبر مهمته تعبئة شاملة حكومية وشعبية بما فيها العبور إلى المسار الدبلوماسي لتوضيح طبيعة الاجراءات التي يريد تطبيقها، والمهم أن يتقبل النائب الأول أعباء المهمة بثقة وحزم مع الاستنجاد بمساندة شعبية دائمة، ويدرك بأن مهمته لا تقبل الاستضافة ولا اللطافة، ولا جدوى من نعومة التوسلات، ولا مفر في علاج هذه المشكلة من تطبيق أظافر الغلاظة، وأن يظل عادلاً في حزمه مع الجميع، لاسيما مع تجار الإقامات، مع كشف ألاعيبهم وفضح مخططاتهم مع نبذهم اجتماعياً ووظيفياً، فأمن الأوطان يتعالى على كل ما يتعداه. وعلى النائب الأول أن يتوقع الصدام مع المعضلات التي أعجزت غيره ممن سبقوه، في الاقتراب من هذه المعضلة، والسبب أن الدولة الكويتية لم يكن لها قرار جريء وجدي لمواجهة هذه المشكلة بما فيها واقع البدون التي لم يتوافر لها القرار النهائي لحلها، رغم مساعي الجهاز المختص وجهوده المتواصلة، ويدرك النائب الأول أن مهمته لن تكتمل ما لم يتعامل بوضوح وعزم وحزم مع هذه العقدة التي يمكن علاجها بقرار حاسم يوفر لأصحاب الحق ما يتوقعونه، فالمستحق للجنسية يأخذها وللإقامة الدائمة يتقبلها، ومن لا يستحق له الحق بمعرفة مستقبله، لكن التحدي الأكبر الذي على النائب الأول أن يسخر وقته لدراسته ويظهر فيه شجاعته هو موضوع تزوير الجنسية وشرائها، وتركيبة المزدوجين، هذه ملفات لا مفر من فتحها والخوض في مياهها الملوثة والاقتراب بكل شجاعة من تعقيداتها لأنها فاعل مؤثر في مستقبل الأمن والسكينة في الكويت، وفي خياراتها المصيرية وفي نوعية الواقع الذي يتسيد الخريطة النهائية للتركيبة السكانية. فطالما تم فتح هذا الممر المصيري بكل تفاصيله وأبعاده على نوعية الكويت القادمة، فلا عذر للنائب الأول بالتردد، وإنما عليه تقبل المستجدات في ملف عمله كنائب أول وضعت الدولة ثقتها في استعداداته وقدرته على تجاوز المحظورات، ومن حقه أن يستنجد بكل ما لدى الدولة من إمكانيات بشرية ومالية وسياسية، وعليه أن يضم كل ما يفيده من علاقات ومن صداقات وتواصلات دبلوماسية، ويقترب من كل ما يفيده من بشر وهيئات ليوظفها في مساره الصعب، مع مؤازرة رسمية وشعبية تتابع سلوكه وتتفحص توصياته وتضمن له المساندة. ومن حق النائب الأول أن يستند إلى إجماع شعبي ودعم رسمي مقترناً بثقة المجتمع ومؤازرة مؤسسات الحكم، مستخرجاً من متابعة مساره في تحمل مسؤولياته كوزير للداخلية تحول في تنفيذ مهماته إلى كوماندوس يوجد في جميع الزوايا ولا يعبأ بالمطبات التي قد توقعه في إحراجات وتساؤلات. كما عليه أن يحيط المجتمع الكويتي عبر مؤتمرات صحافية بما يتحقق من نجاح في مأموريته، إضافة إلى وقفاته في مجلس الأمة، محيطاً المجلس بتدرج إنجازاته مقتنعاً بحتمية نجاحه وطالباً الدعم والمشاركة في ترويض المصاعب وتجاوز التعقيدات، ويصر على أن مأموريته تأمين سلامة الكويت واستقرارها، وهي عبء وطني يتقبل تبعاته باعتزاز.

مشاركة :