الوداع(1) - سعود عبدالعزيز الجنيدل

  • 4/4/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لم يبق أمامي إلا سويعات قليلة أو ثوانٍ معدودة، قبل أن...! لا يهم الوقت كثيرا في مثل حالتي. دعوني أتكلم عن الماضي الذي شهدته وعن المستقبل الذي لم أشهده -بطبيعة الحال -ولكنني لن أشهده! قصتي هي وليدة هذه اللحظة، لم أفكر كثيرا في واقعي، وفجأة صارت حياتي الماضية كأنها فيلم سينمائي يعرض أمامي، وعشت مع كل لحظة عرضت في هذا الفيلم. القصة باختصار وبدون إطناب حانت... في المستشفى وحيد وأريد أن أوجه رسالة، رسالة لمن أحببت، وهل هذا وقت مناسب لكتابة رسالة؟ لا أدري فالموتى لا يميزون الصواب. (أبنتي) كم أحببتك ومازلت أحبك، وبعد موتي لا أدري عن شعوري لأني لم أجرب الموت مسبقا. شاهدتك تتفتحين مثل جاردينيا جميلة عبقة زكية، حملتك على كفي، وكنت أخشى عليك من الهواء أن يجرحك، وضعتك بين عيني، وفي قلبي، تعبت من أجلك، سهرت لراحتك، آه أه من سيعوضك عني، من سيحميك من هذه الدنيا، وأنا تحت..، عاجز عن مساعدتك، كنت أتمنى أن أعيش لحظات كثيرة معك، أتعرفين ما هي هذه اللحظات؟ لحظة ذهابك إلى المدرسة التي كنت تحلمين بالذهاب إليها، تمنيت مشاهدتك وأنت بلباس المدرسة، تمنيت حمل حقيبتك، عنك والوقوف بجانبك عند باب البيت في انتظار باص المدرسة، تمنيت ممازحتك وتقبيلك، قبل ركوبك الباص، وأنت تتباهين بي عند صديقاتك، وتقولين هذا أبي هذا سندي، يا رباه من سندك بعد رحيلي، من سيقف معك من سيحمل حقيبتك؟ أه والحزن يلف قلبي، ويغلفه بحشوة طويلة الأجل، ولا تنزع أبدا. لحظة نجاحك، وفرحك وإحضارك للشهادة، وأنت فرحة تمنيت أن أكون حاضرا لكي أحضنك، وأشتري لك كل ما تريدينه، وأدخل السعادة إلى قلبك، أعذريني يا ابنتي وقتها لن أكون موجودا. سامحيني على تركك. لحظة مراهقتك و وقت لبسك للعباءة، تمنيت مشاهدتك وأنت امرأة، كيف تكونين؟ وما هي شخصيتك؟ وما هي الأشياء المحببة لك؟ وهل تظلين تعشقين التحدث باللغة العربية كما عهدتك؟ وكما هو عملي وهوايتي؟ أم ستكون لك هواية أخرى، لا أعرفها ولن أعرفها لأن الموتى لا.... لحظة خطبتك ودخولك على الشاب الذي قدم لرؤيتك، من هو؟ وكيف هو؟ لا يهمني كثيرا بقدر ما تهمني رؤيتك. وأنت خجلة مرتبكة. من سيمسك يدك ويدخلك؟ من سيجلس بجانبك وأنت خجلة وعيناك في الأرض؟ من سيحميك من غدر الزمان. من سيلبي طلباتك؟ من سيجهزك؟ من من من من من ؟ ليس أنا لأني.... أنا فنيت ولكن سأستودعك ربي الذي لا يموت سبحانه ولا يفنى. عذرا أبنتي لا أستطيع إكمال رسالتي بسبب ألمي الذي نهش جسدي، وبسبب الحزن والضيق في قلبي. أعدك أن أواصل كتابة الرسائل لك ووعدي لك ما دمت حيا، وقد لا أكون، عندها سامحيني على تقصيري، وعلى إخلافي بوعدي. يتبع... مقالات أخرى للكاتب ما وافق شن طبقة الحصان الأسود عنصرية النسق الذكوري الظلم من شيم النفوس «لا تجسر الفصحاء تنشد ههنا»

مشاركة :