نيوستان وقدمستان مدينتان متشابهتان من حيث نشأتهما، فهما عاشتا الظروف نفسها، وتملكان العادات والتقاليد المتشابهة بينهما إلى حد كبير، مع كونهما تقطنان في جهتين متناقضتين... ظلت المدينتان المتشابهتان تعانيان من الظروف القاسية للحياة الصعبة، فهما تعودتا على الاعتماد على الموارد الطبيعية البسيطة، والعيش بطرق بدائية. وفي الحقيقة أن الناس في كلتا المدينتين قد ألفا هذه الحياة، لكن حكيما يقطن في مدينة نيوستان لم يعجبه هذا الوضع البدائي، وفكر بتغيير هذا الوضع، وفي الحقيقة كان هذا الحكيم مشهورا بذكائه وبنظرته المستقبلية. وبالنسبة لقدمستان فلم يوجد عندها حكيم، بل كانوا يملكون زعيما يوجههم لما ينفعهم، فكانت حياتهم قائمة على الصيد والنهب من المدن المجاورة، وفي الوقت نفسه كانوا يتعرضون للنهب ممن هم أقوى منهم، وكانوا يفقدون كثيرا من فرسانهم، بسبب تلك الهجمات، أو بسبب تفشي الأمراض بينهم. والحالة نفسها تنطبق على نيوستان مما حدا بالحكيم أن يعقد اجتماعا طارئا جمع فيه من يثق بعقله، إضافة لزعيم نيوستان. وقام بطرح الوضع الحالي الذي تعيشه مدينته، وأنه لم يعد بالإمكان الاستمرار بالطريقة القديمة نفسها، بل لابد من وجود طرق أخرى للعيش بسلام وراحة. فتكلم أحد العقلاء بقوله: إننا نعاني من مشكلات كثيرة أهمها: التعرض للنهب، والمعانة من شُح الموارد، وتفشي الأمراض التي هتكت بِنَا ولم نستطع إيجاد العلاجات المناسبة، فكل طرق التداوي القديمة لم تعد تنجح معنا. فأعجب الحكيم من كلام هذا العاقل لكونه شخص الوضع الراهن، وكأنه طبيب ماهر شخص المرض بدقة فائقة. وبعده قام شخص آخر وقال لدي الحلول لهذه المشكلات إن سمحتوا لي بطرحها لكم، فأجابه الزعيم بقوله تفضل بطرح ما عندك. فقال الشخص العاقل: لابد لنا من الاستفادة من خبرات المدن التي سبقتنا، فنحتاج لنتواصل معهم وننهل من معارفهم في فنون الحرب، والاقتصاد، والطب، فنقوم بعقد اتفاقيات معهم لكي يزودوا على ضوئها الأشخاص الذين نرسلهم لهم، بالمعارف اللازمة في تلك التخصصات التي نحتاجها. فرح الزعيم كثيرا بهذا الكلام ونظر إلى الحكيم فرأى بريق أسارير وجهه، فعرف أن الحكيم قد أعجب بهذا الرأي. فقرروا على وجه السرعة إعداد الاتفاقيات وتجهيز الأشخاص الذين سيتم تكليفهم بهذه المهمة. وماهي إلا أيام يسيرة حتى تم ترشيح الأشخاص وبحوزتهم كل الاتفاقيات التي تم إعدادها من قبل الحكماء في المدينة وفي رأسهم الحكيم والزعيم... يتبع....
مشاركة :