الإمارات والهند.. نحو شراكة استراتيجية شاملة

  • 2/21/2016
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الزيارة التي قام بها الى الهند سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي/ نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات الشقيقة في الأسبوع الماضي، والتي تلاها صدور بيان مشترك يؤكد على إدانة البلدين لكل أشكال التطرف والإرهاب ومرتكبيها وتبريراتها، سواء من قبل الدول أو التنظيمات والحركات المشبوهة، وعزمهما على دفع علاقاتهما الثنائية نحو شراكة استراتيجية شاملة بعيدة المدى، من خلال زيادة التبادل التجاري بمعدل 60 بالمائة في السنوات الخمس القادمة واحتفاظ الإمارات باحتياطي بترولي استراتيجي في الهند، ودعم مجلس الأعمال الإماراتي الهندي الذي تأسس في سبتمبر 2015، وتعزيز التعاون بين مجلس الأمن الوطني الهندي ونظيره الإماراتي، هو بلا شك حدث هام ويتوافق مع متطلبات المرحلة وتحدياتها. فالهند لم تعد تلك الدولة الفقيرة البائسة المعتمدة على المساعدات والمنح والهبات كحالها في سنوات ما بعد استقلال في أربعينات وخمسينات وستينات القرن العشرين. لقد تغير الزمن وتغير معه هذه البلاد الشاسعة يوم أن قررت خلع ردائها الاشتراكي في مطلع التسعينات، وشمر أبناؤها عن سواعدهم للخروج من مساوئ ذلك النظام الذي كبل طموحاتهم الفردية والجماعية، لكن مع اصرارهم على المحافظة على الدعامتين اللتين شكلتا دوما سياجا منيعا لدولتهم الوطنية وكيانهم متعدد الأعراق والثقافات والأديان وهما الديمقراطية والعلمانية في شكلهما الغربي. فكانت النتيجة زيادة مضطردة في حجم الناتج المحلي، ونشوء اقتصاد تفوق قيمته الترليوني دولار، وتحسن مستويات المعيشة، ونشوء طبقة متوسطة كبيرة من تلك التي يعتد بها في عملية التنمية والبناء والخلق والابتكار. وهكذا انتقلت الهند من دولة مفلسة ذات خزائن خاوية في عام 1991 إلى دولة يفوق ما لديها من احتياطيات العملة الصعبة مائتي بليون دولار كأدنى تقدير، بل صارت اليوم من الدول الواعدة إقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا، ناهيك عن أنها صارت صاحبة نفوذ وتأثير على الساحتين الاقليمية والدولية، بحيث صار الكبار والصغار يحاولون كسب ودها. وفي عالمنا العربي المثخن بالجراحات والصراعات، والمبتلي بالأزمات والاحتقانات، والتراجعات على مختلف الأصعدة نجد أن بقعة الضوء الوحيدة الباعثة على شيء من الأمل تتجسد في دول الخليج العربية كنتيجة لسياسات قادتها العقلانية، سواء لجهة الملفات الداخلية الخاصة بتنمية الوطن وتوفير العيش الكريم للمواطن أو لجهة الملفات الخارجية الساخنة. وحينما نتحدث عن بقعة الضوء هذه فإننا نجد مركزها الأكثر إشعاعا هي دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة التي كانت حتى عقود قليلة ماضية مجموعة كيانات صغيرة متناثرة لا يعرف أحد شيئا عنها، ولا تلفت الأنظار، بل كانت مجرد صحراء خالية من مظاهر العمران والحركة والتمدن، وكان صوتها غير مسموع في المحافل الاقليمية والدولية. وبعبارة أخرى كانت عربيا كحال الهند آسيويا، مع فارق المساحة وعدد السكان بطبيعة الحال. في زيارتي الأخيرة إلى نيودلهي في منتصف نوفمبر 2015 ضمن وفد غير رسمي من الخبراء والأكاديميين والوزراء العرب السابقين، بهدف صياغة بعض الأفكار لعرضها على منتدى التعاون العربي الهندي الذي عقد دورته الأولى في المنامة في يناير الماضي بحضور وزراء خارجية الدول العربية، ووزيرة خارجية الهند السيدة سوشما سواراج، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ركزت ضمن أمور أخرى على ضرورة تأسيس العلاقات العربية الهندية بصفة عامة، والعلاقات الخليجية الهندية بصفة خاصة على قاعدة جديدة هي قاعدة الشراكة الإستراتيجية طويلة المدى متعددة الأوجه مع تأطيرها بسياج من الإتفاقيات الملزمة كي لا ينعكس تغير الحكومات والساسة والأحزاب الحاكمة سلبا على وتيرة العلاقات وزخمها وديمومتها. وقد كررت هذا في كلمتي أمام وزراء خارجية الهند والدول العربية خلال لقائهم في المنامة. لا أدعي هنا أن المسؤولين في دولة الإمارات استمعوا إلى اقتراح شخصي المتواضع فتبنوه، لكني أستطيع أن أقول بثقة أن قيام رجل دولة بحجم الشيخ محمد بن زايد بزيارة الهند في هذا التوقيت تحديدا، وصدور بيان مشترك يتضمن حرفيا ما أتيت على ذكره يجب أن يكون مبعث سعادة لكافة العرب وليس فقط لشعب الإمارات الذي يتبنى قادته رؤية سديدة لاستقطاب القطب الهندي وغيره من الأقطاب الآسيوية الصاعدة إلى الصف العربي. ومن يدري، فقد تشجع مثل هذه المبادرات الهند على الانخراط بصورة عملية في أي ترتيبات أمنية خاصة بمنطقتي الخليج والشرق الأوسط على نحو ما اقترحه وزير خارجية المملكة العربية السعودية الراحل المغفور له صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل أثناء حوار المنامة في عام 2004، خصوصا وأن للهند مصلحة مؤكدة في ذلك لأن تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقتين إنما هو تعزيز لمصالحها الكثيرة والمتنوعة فيهما، والتي تشمل التجارة والاستثمار والطاقة وتصدير الأيدي العاملة.

مشاركة :