ضمن عدد من الأنشطة الجهوية والوطنية لشهر التراث شهد المركب الثقافي بالمنستير بإشراف المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية وبحضور عدد من الفنانين التشكيليين والمثقفين ورواد الفنون والرواق وفي جو ثقافي ودي افتتاح المعرض الفني بعنوان" الزيتونة المعمرة بالبلاد التونسية" "OLIVIERS MILLENAIRES DE TUNISE" للفنان الفوتوغرافي نجيب الشوك، وذلك يوم 20 مايو/أيار الجاري، وقد حضر المندوب الثقافي شكري التليلي ومدير المركب فهد بن حمودة وكل من الفنانين إبراهيم القسنطيني وزهير عباس وعمر عبادة حرزالله والأديب الحبيب المرموش والدكتور الحبيب صالحة. وتنوعت لوحات وأعمال الفنان نجيب الشوك التي اهتمت بالعنوان المخصص للمعرض من حيث تعدد الهيئات والحالات والأشكال لأشجار الزيتون، وقد قدم هذا المعرض خلال العام الماضي في مدينة الثقافة الشاذلي القليبي وكان بالشراكة مع جمعية متحف جسور ويعد معرض المنستير بالمركب النسخة الأكثر اكتمالا وأكثر نضجا. ويتواصل المعرض الحالي في المركب الثقافي بالمنستير إلى غاية الثاني من يونيو/حزيران المقبل. معرض صور فوتوغرافية بعنوان" الزيتونة المعمرة بالبلاد التونسية" هو بمثابة البحث الفني الجمالي في تشكيل ما هو قائم من حيث الاشتغال على اقتناص الصورة لتبرز في الإطار على أنها عمل فني بدلالات وقراءات متعددة من جوانب النظر المتعددة حيث التأويل وفق حالات الأشجار وهيئاتها المتعددة. وبشأن هذه التجربة يقول الفنان الفوتوغرافي نجيب الشوك "شجرة الزيتون الألفية والرجل.. عن أشجار الزيتون التي ترجع إلى مئات السنين أو الألفية مع بيئتها المباشرة، وما يستطيع أن يتجسد بشكل أفضل في المنطقة المجاورة المباشرة لهذه الكائنات النباتية غير العادية.. إنها طريقة أخرى للرؤية والتي تمنح المزيد من الحياة لشجرة الزيتون لدينا، كما أنها تتمتع بميزة كبيرة تتمثل في إعطاء مقياس الفخامة لأي شجرة". ويضيف "لم يتم التخلي عن النهج القديم الذي ركز على نسيج شجرة الزيتون وأعمالها النحتية حول جذعها، هنا ببساطة جمعت هذه الباقة من الصور وسنعود لمعظم هذه الأشجار من أجل رسم صورة ضوئية مخططة، وقبل كل شيء لتحديد نظام تحديد الموقع العالمي (GPS) الخاص بنا..."الغولة" بالمنستير هي شجرة زيتون استثنائية، يبدو أن قاعدتها العريضة تحدد أراضيها، شكل وسيم ومكتنز، يستحضر كمال الأجسام في أفضل حالاته، يسميه أطفال حيه "الغولة". كنت أتجول تجاه هذه الأعجوبة والكاميرا معلقة على كتفي، عندما تخلى شباب من الحي عن مباراة كرة القدم الصغيرة ليطلبوا مني صورة تذكارية مع "ولد حومتنا... غولتنا". كان من دواعي سروري حقًا ملاحظة هذا الارتباط وهذا التواطؤ الجميل بين أجيال من الكائنات الحية. يا لها من صفقة! يتسلقون الشجرة ويصطفون، أقفز على الفرصة وأغتنم هذه اللحظة". ويتابع "في رأيي هذه الشجرة هي واحدة من أجمل سبع أشجار زيتون في تونس ونعتقد أن عمرها يجب أن يقاس بوحدات ألف سنة، في الوقت الحالي لا نعرف المزيد. في حلمي أخبرتني شجرة الغولة أنها لا تتذكر تاريخ ميلادها، إنها لا تعمل معنا أيضًا، خمسون بالمائة من نوعها لديها جذع فارغ، إنه مثلكم أيها البشر، خمسون بالمائة منكم لديهم رأس فارغ، أليس كذلك؟"، مضيفا "كما كنت في حلم، لا أتذكر ما إذا كان هو أو أنا من ابتسم أولاً... يتابع الغولة: من السخف قتل الشجرة لتخمين عمرها من خلال حلقات جذعها، كما أن لديّ خوف أزرق من القطع أو تغطية جذعي...نهاية الحلم...". وعن حكاية KESRA (الحبيب) يقول "وسط حشد من أشجار الزيتون التي يبلغ عمرها ألف عام فرضت شجرة رفيعة بشكل خاص نفسها.. يرتدي "ثوبا جميلا" مؤلفا من عدة قضبان ملتوية وملفوفة حول صندوقه. الصفة الغريبة تفرض نفسها، الشك يبرز، هل هي حقا شجرة زيتون؟ خطوات صغيرة حول الشجرة، وسقط الحكم، كانت بالفعل شجرة زيتون، فريدة من نوعها. في ذلك اليوم، لا داعي للانتظار بينما كنت أعقد أعصابي المسكينة، الشمس تغرب، وأنا أخاطر بفقدان أشجار زيتون أخرى لاكتشافها، كان ذلك في كسرة، الوادي الكبير الوحيد لأشجار الزيتون التي يبلغ عمرها ألف عام في تونس، لقد اكتشفت للتو بعمق. بعد عام، رأيت هذا النجم بالصدفة، أعلم أن أثر الطلاء الأبيض على يمين الجذع هو توقيع المالك وكأنه ليقول "إنه ملكي"، لكن هذه المرة كان لدي شك في النقر، اعتقدت أن هذه الشجرة لا يمكنها "ربط" غطائها الحلزوني بمفرده. من ملاحظاتي القديمة، لاحظت أن كل شجرة زيتون محاطة ببراعم وأغصان رفيعة تخرج من الأرض والتي كانت تسمى souquais، وهذه الفروع الصغيرة، وبعد عقود، تلتحم وتلتصق ببعضها البعض، لتلتحم مع الشجرة الأم، تماما مثل البلاستيسين على قطعة أخرى من نوعها... كل شيء هنا، وهذا هو السبب في أن شجرة الزيتون التي يبلغ عمرها قرن من الزمان تعيد تشكيل أشكالها، وتنحت نقوشًا بارزة مطعمة تمامًا. لم يتم إنشاء أي شيء يتم تحويل كل شيء. لا شيء في السر، كل شيء يتخذ شكلاً. نعود إلى محبوبة الحبيبة". من المحتمل أن يكون المالكون السابقون لهذه الزيتونة، بدافع الحب وبجرعة من الفكاهة، قد ساعدوا المصاصين (أو souqais)، على احتضان شكل الشجرة الأم. إنه افتراض بالطبع، لكنه يظل اعتقادًا بالنسبة لي"، وفقا لنجيب الشوك. هذا شيء من حكايات الفنان الفوتوغرافي نجيب الشوك وهو يداعب معدات عمله و"كاميراواته"، حيث النظر والقنص والخيال والرغبة في الفوتو-تشكيل تجاه أختنا الشجرة... الزيتونة المباركة وهي تقص شجنها وحكاياتها على الأغصان... على الناس.. هي لعبة الصورة في عنفوان إبداعيتها وجماليات التناغم معها فنا ونظرا وإحساسا. الصورة عند نجيب الشوك وخلال تجربته لعقود من الزمن كونٌ من العبارة والكلام البيّن.. من عوالم الجمال ما هو مبثوث فيها وفي مشتقاتها ويكفي النظر بعين القلب تجاه المساحة المصورة لنقرأ الكثير ونتبين الكامن فيها من حياة وتواريخ وحركة ومضمون أخاذ، متوهج.. إنها حرارة الصورة وهي تُبْلِغ عن دواخلها وعنا.. الفن الفوتوغرافي من الفنون الساحرة التي يسعى فيها الفنان إلى التفاعل مع الزمن والسيطرة على لحظاته قولا بالشغف والسرعة والبغتة وفق حكايات باذخة هي ما يعلق بالصورة وما يتبقى من توهج اللحظة من عناوين الجمال والحنين والذاكرة والوعي بالتأريخ الفني والإستيتيقي والوجداني.. الصورة إذن وبهذه المعاني سلطة أخرى لا تقل قيمة وحرقة عن سلطة الكلام والبيان واللسان.. ولنجيب الشوك الفنان والفوتوغرافي مسيرة ثرية مع الصورة ضمن فن الفوتوغرافيا.. فقد برزت أعماله في فنيات الصورة بعدد من المعارض والمجلات والكاتالوغات ومنها معرضه الحالي بالمركَّب الثقافي بمدينة المنستير.. الصورة عنده مجال قوي لتخيّر المفردة الجمالية البصرية وللقول بالعلاقة الوثيقة بين الموضوع والتعاطي التقني، لغاية فيها الكثير من الدلالة حيث سحر الأثر في الصورة بأسلوب لا يضاهى.. إن المتابع لمسيرة الفنان نجيب الشوك وعوالم الصورة التي هو بصددها بحثا واشتغالا وفق تنوع المضامين الجمالية التي طرقها ووزعها على العناصر والأمكنة والأشياء والخصائص والتفاصيل يلمس دون عناء إبداعية اللحظة عند الالتقاط بالعدسة والجانب التأليفي لدى هذا الفنان في تعاطيه مع الصورة من حيث هي حاضنة ذاكرة وهيام وحميمية وعبارة.. الصورة فعلا عبارة حبلى بالدلالات العميقة تذهب إلى أبعد مما يذهب إليه الكلام.. تذهب هذه المرة إلى أختنا الشجرة تحاولها وتحاورها بكثير من الجمال والحنين والألفة. المعرض يتواصل إلى غاية يوم 2 يونيو/حزيران 2023 بفضاء المعارض بالمركب الثقافي بالمنستير.
مشاركة :