رأت مصادر في قوى «14 آذار» في لبنان أن قرار المملكة العربية السعودية بوقف هبة تسليح الجيش والمؤسسات الأمنية، لم يكن إلا ترجمة أولية لتحلل الدولة اللبنانية ومؤسساتها، لكن هذا الواقع يدفع بحسب هذه المصادر إلى تجرّع واحد من كأسين أحلاهما مرّ، الأول التسليم بانتصار «مشروع ولاية الفقيه في لبنان»، والثاني «أخذ الناس إلى التطرف الذي يأكل الأخضر واليابس». وإذا كان تأثير «حزب الله» على المؤسسات الرسمية قائم بمستويات ومواقع مختلفة، بحسب ما يشير القيادي في تيار «المستقبل» النائب السابق الدكتور مصطفى علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، فإن ذلك لا يخفي حقيقة أن الحزب بات يتصرف وفق معادلة أن «الدولة اللبنانية باتت جزءًا بسيطًا من ولاية الفقيه»، كما يقول علوش، الذي يعتبر أنه «لا يمكن عزل أي مؤسسة رسمية عن تأثير (حزب الله) إما عبر حكمها مباشرة، وإما عبر موظفين ومخبرين له، أو بطريقة أخرى عبر ابتزاز خصمه بالتهديد والعنف والتطويع». ويضيف علوش، وهو نائب سابق في البرلمان عن طرابلس (شمال لبنان): «إذا نظرنا إلى أي مؤسسة دستورية نرى أن (حزب الله) هو من يتحكم بها، بدءًا من رئاسة الجمهورية التي يعطلها بقرار ذاتي، مرورًا بالحكومة وصولاً إلى مجلس النواب، حيث يفرض إرادته عليها بالعنف والتهديد، ويمارس ديكتاتورية الأقلية أو يحكم باسم ولاية الفقيه الأكثرية النيابية والوزارية، ومن الواضح أنه منذ عام 2011، أي منذ الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري وهو يمارس الاحتلال الكامل للدولة ومؤسساتها». ولا تختلف قراءة الباحث السياسي علي الأمين، المعارض بدوره لسياسة «حزب الله»، عن قراءة علوش، فهو يرى أن الحزب «بات شريكًا في نظام يتسم بالمحاصصة وله دائمًا حصة الأسد، لكونه طرفًا سياسيًا أساسيًا في الحكومة وفي البرلمان، وهذا ما يجعله صاحب الكلمة العليا في التعيينات الإدارية والعسكرية والقرارات المالية وموازنات الوزارات، خصوصًا تلك التي تركز على المشاريع التي تعنيه، يضاف ذلك إلى قوته الذاتية ودولته الخاصة، عدا عن أنه المدخل الإلزامي والضروري لأي مواطن شيعي يريد أن يدخل إلى الدولة». ويلفت الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى «نفوذ حزب الله القوي جدًا في المؤسسات الأمنية والعسكرية الذي يعطيه قيمة مضافة بالتأثير على خيارات الدولة». ومن ثم يشرح «خلال السنوات السبع الأخيرة لا يمكن أن تصدر قرارات حكومية أساسية لا يوافق عليها الحزب، في حين يمكن أن تصدر قرارات أخرى لا يوافق عليها خصومه، ومنها على سبيل المثال الإطاحة بحكومة الرئيس سعد الحريري، وفرض حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بفعل (القمصان السود) (انتشار مسلحين من الحزب بالقمصان السود في بيروت وبعض مناطق جبل لبنان)، وهذا يعني أن حزب الله وحده من يمتلك حق الفيتو على أي قرار»، لافتًا إلى أن «تأثيره على المؤسسات الأمنية والعسكرية واضح»، مستطردًا: «صحيح أن هذا التأثير ليس على مستوى تواطؤ قيادة الجيش والقيادات الأمنية معه، لكن حزب الله قادر على التأثير في قراراتها الاستراتيجية، وخير دليل على ذلك دوره العلني في تعيين من هم على رأس الهرم العسكري مثل المجلس العسكري، ومعلوم أن للحزب حصة راجحة داخل مؤسسة الجيش وهو يستقوي فيها». ووفق رأي الأمين، فإن «قوة حزب الله العسكرية والأمنية هي الراجحة والمرجحة والمقررة، ووحدها لها حق الفيتو، لذلك إن طبيعة وجوده تحت شعار المقاومة ومحاربة الإرهاب تسللت إلى مفاصل الدولة، وباتت متحكمة بخياراتها بنسبة 80 في المائة على المستوى الاستراتيجي، من دون أن نقلل من الجانب الاقتصادي والخدماتي الذي جعله يشكل مصدر استقطاب الجمهور، وجعل لا مفرّ لأي شيعي يرغب الدخول إلى وظائف الدولة إلا عبر المرور به». ولا شك أن وضعية «حزب الله» داخل مؤسسات الدولة هي الوضعية المثالية، يقول الأمين: «ما جعله أكبر المستفيدين من الدولة، من دون أن يتحمل تبعاتها على قاعدة له الغُنم ولا يتحمّل الغُرم». وفيما يشبه التحذير من خطر انتصار مشروع هذا الحزب في لبنان، أكد الدكتور علوش أن «ترك اللبنانيين المناهضين لمشروع حزب الله من دون سند مادي ومعنوي، والتخلي عن دعم الناس التي تقاوم هذا النهج، سيجعل لبنان رهينة اليأس وأمام خيارين لا ثالث لهما، إما التسليم بمشروعية حكم الأقوى والالتحاق بولاية الفقيه، وإما اللجوء إلى التطرف الذي سيأكل الأخضر واليابس». وإذ أبدى تفهمه للقرار السعودي، أوضح: «إذا كانت أسباب وقف تسليح الجيش مفهومة ببعديها السياسي والأمني، فإننا نأمل من القيادة السعودية ألا تتخلّى عن دعم اللبنانيين الذين يعتبرون المملكة العربية السعودية هي مرجعيتهم». عودة إلى الأمين، الذي يوضح أن «القرار السعودي بوقف قرار مساعدة الجيش اللبناني، أرادت المملكة من خلاله أن تقول للبنانيين إنها ليست معنية بتفاصيلهم بعد الذي رأته منهم، وليست مضطرة للبحث عن ذرائع، ويبدو أن مسايرة الدولة زاد من ضعف هذه الدولة». ويستطرد: «ربما قرار السعودية بوقف الهبة للجيش اللبناني يستحق الشكر، لسبب بسيط، وهو أن اللبنانيين لم يظهروا اهتمامًا جديًا ببناء جيش حقيقي ولم يقدموا مرجعية الدولة على ما سواها»، لافتًا إلى أن «كل هذا الدعم الذي يتلقاه لبنان لا يبدو أنه يصب في مصلحة مشروع بناء الدولة».
مشاركة :