الخشبة تتزين بمفردات البيئة الإماراتية

  • 2/22/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إلى أي مدى يحضر الموضوع الإماراتي في الإبداع المنجز لأبنائها؟، وما هو المدى الذي أسهم به الكتاب والفنانون والمسرحيون خلال أربعة عقود من عمر الدولة، في صناعة الوعي وتعزيز التقدم، وتعزيز حس المواطنة، وتوجيه دفة المجتمع نحو الأفضل، ونحو الوعي بأسباب الحضارة المعاصرة، وترسيخ قيم الحياة الفاضلة في عصر المادية والتقنية؟ وماذا أنجز المسرح بشكل خاص في هذا الصدد؟، هذه الأسئلة طرحناها على عدد من الكتاب والفنانين المسرحيين الذين أكدوا مساهمة المسرح الفاعلة في صناعة ذلك الوعي، كونه تحمل نصيب الأسد في الحركة الثقافية المعاصرة، من التأثير في المجتمع، نظراً لما حظي به من اهتمام شعبي ورسمي في العقود الماضية، وأجمع المسرحيون الذين استطلعت الخليج آراءهم على أن الإمارات بقضاياها وتراثها ومظاهر حياتها، كانت دوماً حاضرة في الأعمال المسرحية المنجزة داخل الدولة. قال الفنان المسرحي مرعي الحليان: إن القول بأن الإمارات غير حاضرة في الإبداع الإماراتي قول باطل، ومن ادعاه لا يفقه شيئاً، لأنه ينكر تاريخاً طويلاً من الإبداع الأدبي والفني، سطره مبدعو الإمارات على مدى العقود الماضية من نشأة الدولة، وواكبوا به كل التغيرات الحاصلة في المجتمع، وهنالك أرشيف ثقافي حافل وموثق في كل الدوائر الثقافية ووسائل الإعلام المحلية، يشهد على فاعلية الإبداع في المسيرة الوطنية، وانشغاله بكل ما يخص الوطن، ولا يمكن شطبه بحال من الأحوال، فعلى صعيد الفنون رصد الفنانون كل ما هو أصيل وعبروا عن المجتمع بشتى الطرق الفنية، ورصدوا متغيراته، وعلى مستوى الشعر واكبت الحركة الشعرية كل التطورات، وتطورت بتطور المجتمع ومفاهيمه، وكانت أمينة في رصده، ولو نظرنا مثلاً إلى أشعار راشد بن طناف، وهو أحد رواد الشعر الشعبي فسنجدها تدور حول كل قضايا المجتمع، ناهيك عن شعراء الفصحى، وحتى اتجاه قصيدة النثر، وما بعد الحداثة لم يتخل عن الموضوع الاجتماعي والوطني. وأضاف الحليان: أمّا في ما يخص المسرح، فقد سبر سالم الحتاوي في مسرحياته أغوار المجتمع التقليدي، وفكك الموروث الشعبي من جميع نواحيه، وواكب إسماعيل عبدالله المتغيرات في فترة الثمانينات، وفترتي ما قبل الطفرة النفطية، وما بعدها، ورصدت أنا في مسرحية باب البراحة التغير السكاني والمشكلات الناجمة عنه، ورصد ناجي الحاي في (ما كان لبنت سليمان، وبنت عيسى) مشكلات المجتمع الإماراتي المعاصر، وانعكاس ذلك على الأفراد، وهذا قليل من كثير لا يمكن حصره هنا، إن هذا الادعاء جناية على المثقف الإماراتي وعلى الإنجاز الكبير للثقافة عندنا، وفيه اتهام للمثقفين بأنهم لم يقوموا بدورهم المنوط بهم، في حين أنهم قاموا به على أحسن وجه. الفنان ياسر القرقاوي، مدير الفنون الأدائية في هيئة دبي للثقافة والفنون، قال: عندما ننظر إلى الرعيل الأول من المسرحيين في الإمارات، والذين أسهموا في الارتقاء بإنسان الإمارات منذ السبعينات وعلى مدى عقدين من الزمان، فسنجد أنهم كانوا يمتلكون وعياً عالياً ما يدور حولهم من قضايا محلية وعربية، ويكفي أن نقرأ أسماء المسرحيات التي عرضت في تلك الفترة، لنعرف كم كانت مواكبة لزمنهم وتوجهات مجتمعهم، وقد ظل الأمر على هذه الحال في الأجيال اللاحقة، وقد تابعت شخصياً على ما يقارب العقدين من الزمن أغلب ما أنتجه القطاع المسرحي في الإمارات، وحضرت الندوات التطبيقية الخاصة بتلك العروض، واستنتاجي الشخصي لما شاهدته بأن غالبية العروض المسرحية التي تذهب إلى التراث والموروث الشعبي، تحتاج إلى عمق أكثر في البحث والدراسة، حيث إن ما تم تقديمه يحتاج إلى تعمق أكثر في البحث والوعي في تراثنا الذي يتعرض للاندثار بشدة، إن أغلب الإنتاج المسرحي الذي يقوم به زملائي في المسرح الإماراتي ينصب في قالب المشاركة في المهرجانات المسرحية، وتذهب إليه كل الجهود والإمكانيات، لذلك يأتي عنصر إرضاء لجنة التحكيم طاغياً، ما يحول دون التوجه الحقيقي للموضوعات التي تهم المجتمع، أمّا العروض المسرحية التي يتم إنتاجها للجماهير المسرحية العريضة، فهي أكثر صدقاً في الرسالة والمضمون وأقرب للمواطن، وتتناول قضايا أساسية بالنسبة له، لكنها مع الأسف تأتي في صياغة تحتاج إلى تجويد في الشكل والطرح. وتابع القرقاوي: البحث في هذا الجانب يطول ويحتاج إلى تمحيص طويل، وأعتقد أننا لكي نكون موضوعيين عند نقدنا لمسرحياتنا بدءاً من النص وانتهاء بنقد العروض المسرحية، فنحن نحتاج إلى تحديد للفترة الزمنية والأشخاص العاملين على العروض تلك الفترة، وإذا تحدثنا عن المسرحيات في السنوات العشر الماضية، فيمكن أن نقول إنها في ارتقاء، وقد رسخت الكثير من أساليب التناول الفني والموضوعي لقضايا المجتمع، ونتوق نحن المسرحيين إلى عروض جماهيرية تشارك في المهرجانات المسرحية، وتكون معبرة عن وجداننا ومشكلاتنا، وتعزز هويتنا الوطنية. الفنان عبدالله صالح يرى أن الإمارات ظلت دائماً حاضرة في ما أنتجه المسرحيون من أعمال، سواء من الناحية الشكلية أو المضمونية، فإذا ما نظرنا إلى المشكلات الكبرى التي طرحت على المجتمع منذ تأسيس الدولة، فإننا نجدها مطروحة في المسرح، كمشكلة التركيبة السكانية الجديدة، والمشاكل الاجتماعية كالزواج وتربية الأبناء، ومشاكل الاستهلاك المفرط والطلاق وغيرها من المواضع التي يعانيها المجتمع، لكن المسرحي لا يطرح موضوعاته في شكل عناوين محددة، ويقول إنه سوف يعالجها، لأن طبيعة المسرحية لا تسمح بهذا التعيين، فهي تعالج المشكلة من غير أن تسميها، وتطرحها أثناء الصراع والمسار الدرامي، وهذا يعني أن عملنا ليس توثيقياً، فنحن نقدم عينة للموضوع تشبه العينات الموجودة في الواقع، وقد طرح إسماعيل عبدالله مشكلة السكان في مسرحية صرخة، وأنا لدي مسرحية مكتوبة في هذا الموضوع بعنوان سكّان. أما بالنسبة للمظهر أو ما يتعلق بعناصر الدراما الأخرى فقد ظهرت البيئة الإماراتية في العروض، فكان البحر والغوص والصيد والصحراء والمدينة الحديثة، وكل المظاهر الأخرى حاضرة في العروض المسرحية عبر الديكور والإكسسوارات والسينوغرافيا، وكانت الموسيقى والأغاني التراثية والحديثة والإيقاعات الخاصة بالبحارة، كل ذلك حضر بكثافة وعمق، وبامتزاج جميل بين الماضى الحاضر، فلم يكن المسرحيون في أي يوم غائبين عن الشأن المحلي. الفنان حميد سمبيج قال إن الإمارات دولة حديثة بناها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على أسس قوية من خلال نظرة شاملة تعطي لكل مجال دوره في البناء، وكان للثقافة دورها في البناء، فقد شجعت الحكومة الإماراتية منذ البداية المبدعين في كل مجال، وكان للمسرح حظه من ذلك التشجيع، حتى أن الحكام كانوا يحضرون المسرحيات التي تفتتح بها عادة فعاليات مهرجان ثقافي أو تراثي، ما يشجع المسرحيين على العطاء، وهذا الدعم المتواصل كان وراء عطاء مسرحي متميز، تناول جميع ظواهر حياة المجتمع، بدءاً بمظاهرها المادية والبيئية، وبموضوعاتها التي طالت كل جوانب حياة المجتمع، وناقشت حضور تقاليد المجتمع الماضي في الواقع الحاضر، والتركيبة السكانية، إلى جانب قضايا تهم المجتمع الإماراتي، لكنها أيضاً تنسحب على الوطن العربي ككل. لم تكن الإمارات في يوم من الأيام غائبة عما يقدم في الساحة المسرحية من عروض، أو ما يكتب من نصوص، فإسماعيل عبدالله والمرحوم سالم الحتاوي كتبا موضوعات غاصت في أعماق المجتمع، ولنتذكر مسرحيات: اللوال وحرب النعل وتراب، وغيرها من المسرحيات التي تناولت مواضيع لصيقة بحياة المجتمع، ونالت صيتاً محلياً كبيراً، لكن ربما يفوت البعض أن المسرح ليس مطلوباً منه أن يصرح بشكل مباشر بالمشكلات ويعلن أنه سيتناولها، فقد يأتي التناول في بعض الأحيان إيحائياً ورمزياً والمتفرج يحس بهذا بشكل تلقائياً، ولقد قطع المسرح الإماراتي شوطاً كبيراً في الإبداع وفرض وجوده في المحافل الخليجية والعربية، واليوم أصبحت الإمارات من الدول التي تقود مسيرة المسرح، وأصبحت مسرحياتها تبهر الآخرين، وتنافس على أعلى الجوائز، وهذا دليل على أن العمل الذي نقوم به هو عمل إماراتي صرف، وأن الشأن الإماراتي حاضر في صميمه.

مشاركة :