تشهد إيران نهاية هذا الشهر مهرجانا انتخابيا، فيوم الجمعة 26 شباط (فبراير) سيكون الإيرانيون على موعد مع عملتي انتخاب؛ إحداهما تخص انتخاب أعضاء مجلس الخبراء "هيئة دستورية"، والأخرى تتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الشورى "السلطة التشريعية". فرض هذا التزامن في الموعد الراسخون في دواليب النظام الإيراني، أملا في الرفع من نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الخبراء التي تجرى كل سبع سنوات، وتعرف دائما عزوف الناخب الإيراني عنها لإدراكه صورية صوته في هذه الانتخابات. يُعول الحكام في طهران على هذا الموعد الانتخابي كثيرا، فعلى الجبهة الدولية ستسمح هذه الانتخابات بتسويق صورة الجمهورية الإسلامية كنموذج لدولة "ديمقراطية" في المنطقة، ينبغي تصديره إلى الدول المجاورة في الإقليم، وهو ما اقتنع به النظام منذ وقت طويل، ويعمل على تنفيذه مستعينا بأذرعه في بعض الدول العربية. وعلى الجبهة الداخلية سيكون الحدث فرصة لتنفيس الضغط والاحتقان الاجتماعي المتزايد، وبالأخص داخل الطبقتين الوسطى والسفلى غير المحظوظتين في أوساط المجتمع الإيراني، منذ وأد الربيع الإيراني الأخضر أواسط سنة 2009. إن الصورة العامة والخارجية للمشهد الانتخابي الإيراني تظهر أن الانتخابات ثقافة وسلوك راسخ في النظام الإيراني، فأركان العملية الانتخابية تكاد تكون مكتملة في كل موعد انتخابي يشهده هذا البلد منذ زمن الثورة المسروقة من طرف الإمام والجيش سنة 1979، إلا أن الديمقراطية التي تكون غاية كل عملية انتخابية في كل بقاع العالم؛ حيث تجري هذا الأسلوب لتمكين المواطنين والمواطنات من التعبير بكل حرية عن رغبتهم وإرادته بل وتقييمه لمجريات الأمور في بلدانهم، تظل الغائب الأكبر في إيران بعد كل موعد. تزوير النتائج العامة للانتخابات لمصلحة نجاد ضد موسوي القابع إلى اليوم في الإقامة الجبرية تسبب في اندلاع الثورة الخضراء. كيف لنا قولٌ هكذا، وتلك الانتخابات تحظى على الدوام بشهادة شفافية وصك نزاهة من بعض المتابعين للشأن الانتخابي في العالم، وكذا لجان المراقبة الدولية التي تحل بها بُعيد كل موعد انتخابي كي تتابع كل محطة انتخابية هناك. ببساطة لأن "شهداء الزور" هؤلاء يشهدون على طقوس وشكليات يوم الاقتراع فقط، دون بقية المراحل التي تُذبح فيها الديمقراطية تدريجيا من الوريد إلى الوريد قبل الوصول إلى يوم الاقتراع، الذي يفترض فيه أن يكون يوم تتويج للمراحل السابقة. عادة ما تجرى الانتخابات في ظل إشراف المرشد الأعلى والحرس الثوري وهيئة صيانة الدستور ممن لهم اليد الطولي في حسم نتائج الصندوق العجيب حتى قبل الذهاب إليه. فالمفروض أن الأسماء الثقيلة في معادلة السياسة في الساحة الإيرانية ملزمة بنيل رضا ودعم وقبول المرشد الأعلى بغية تعبيد الطريق لها للمشاركة في العملية الانتخابية. أضف إلى ذلك أن من المعايير الأساسية المعتمدة في عملية انتقاء المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور مدى ولاء المرشح للمرشد الأعلى، وكذا اقتناعه بمبدأ ولاية الفقيه. علاوة على أن هذا المجلس هو صاحب المسؤولية الحصرية عن تبني النتائج النهائية على الرغم من كونه أيضا من بين الهيئات المشرفة على الفرز إلى جانب وزارة الداخلية، ما يعني حصول نوع من التضارب في الاختصاصات لا بل التداخل فيما بينها. غني عن البيان أن النظام في طهران بأكمله يحُوم في فلك المرشد الأعلى؛ فمجلس صيانة الدستور الذي يُقدم عادة كهيئة رقابية مستقلة؛ من باب إبراز التعددية المؤسساتية في نظام الحكم القائم هناك، يضم في تشكيلته ستة محامين إلى جانب ستة من رجال دين بدرجة آية الله ممن يعينهم المرشد بشكل مباشر، وتبقى القرارات الرئيسية والحاسمة لهذه الهيئة من اختصاص هؤلاء؛ أي من نصيب المرشد على لسان من عينهم ممثلين له في المجلس. ولنا في انتخابات 26 شباط (فبراير) أكبر دليل على ما تذهب إليه هذه المقالة، فتقارير المتابعين لانتخابات هناك تُشير إلى أنه من أصل 120 ألف مرشح تقدموا لانتخابات مجلس الشورى رفضت هيئة صيانة الدستور 73 ألف طلب؛ أي ما نسبته 62 في المائة من مجموع الطلبات المقدمة للتنافس، ما يعني بمفهوم المخالفة أن الطريق مفروش بالورود أمام أنصار الإمام دون غيرهم للنجاح في الانتخابات كيفما كانت نسبة المشاركة، لأن المعترك الانتخابي بقي لهم وحدهم دون بقية الأطياف السياسية في المشهد الإيراني. حتى حزب الرئيس الحالي حسن روحاني لم يسلم من هذه التصفية، إذ أبدى الرجل امتعاضه من قبول 30 مرشحا ضمن لائحة مرشحي حزبه التي تعدت ثلاثة آلاف مرشح. نفس القاعدة أي الإقصاء والمنع المبكر تنطبق على انتخابات مجلس الخبراء، حيث بلغ عدد الطلبات المقدمة 801 طلب ترشح لم تُجزِ الهيئة من ضمنها سوى 166 طلبا فقط. بالعودة إلى انتخابات 12 يونيو 2009 نجد أن تدخل الهيئة وتغيير النتائج العامة للانتخابات كانت السبب وراء اندلاع الثورة الخضراء، حين خرجت جموع غفيرة من الشعب الإيراني، وفي مقدمتهم الشباب ضد عملية التزوير لمصلحة الرئيس المنتهية ولايته آنذاك محمود أحمدي نجاد، بمنحه ولاية ثانية في انتخابات فاز فيها منافسه مير حسين موساوي الذي لم يكن مقبولا لدى دوائر الحكم في طهران، منذ توليه منصب رئيس الوزراء، كان آخر شخص يشغل هذا المنصب في إيران قبل إلغائه، الذي ما زال قابعا في الإقامة الجبرية إلى اليوم. إن الإيمان بالفكرة الديمقراطية غير قابل للتجزؤ أو التبعيض، فلا كثرة محافل الانتخابات ولا تعددية أشكال المؤسسات ولا تنوع الأحزاب السياسية ولا زخم الترسانة القانونية... وما إلى غير ذلك من المؤشرات يكفي دليلا على ديمقراطية دولة معينة. ببساطة لأن الحرص على بعض الجزئيات في العملية الديمقراطية فقط عادة ما يؤدي إلى استبداد وطغيان، أليس ذلك ما أوصل هتلر ومعه النازية إلى تدمير ألمانيا. إن الديمقراطية إلى جانب الانتخابات والتعددية المؤسساتية والحزبية، حرية في التعبير واستقلالية في القضاء وفصل بين السلطات وربط بالمسؤولية بالمحاسبة واحترام لإرادة الشعب، لا مجرد شكليات نقيسها على مزاج الإمام ونكيفها مع رغبات المرشد، وهكذا تصير ديمقراطية تحت جبة المرشد.
مشاركة :