نقاد وباحثون عرب يقرأون تجربة الشاعر العماني سعيد الصقلاوي

  • 6/1/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يشتمل كتاب “أوهاج النص الشعري” على أربع دراسات في ديوان “غارق يغني” للشاعر العماني سعيد الصقلاوي، جمعها وحررها وقدم لها الأكاديميان والناقدان العراقيان محمد صابر عبيد وفليح مضحي السامرائي. وقرأ الباحثون المشاركون في الكتاب الذي حمل عنوانا فرعيا هو “حركية العلامة: التشكيل والتعبير”، التجربة الشعرية للصقلاوي والمحطات الرئيسة والتحولات الجذرية فيها من خلال ديوانه الذي صدر عام 2022. ويوضح عبيد السامرائي في مقدمة الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون”، أن تجربة سعيد الصقلاوي تنتمي إلى فضاء القصيدة العربية التقليدية في اعتمادها “قصيدة الوزن” معيارا إبداعيا مركزيا للنص الشعري، بمعنى أن هذه التجربة من حيث الجذور تعود إلى المرجعية المعروفة للشعرية العربية القديمة في تقاليدها الشعرية المتوارثة. القصيدة العربية التقليدية القصيدة العربية التقليدية ويضيف “لأجل التجديد والتطوير والتحديث في هذا السياق، لا بد من حضور فاعل وبارز لطبيعة الوعي الشعري الثقافي والجمالي العارف والقادر على التغيير، ضمن رؤية نافذة تتضمن معالم الاجتهاد اللغوي والصوري والإيقاعي وملامحه بدرجة عالية من المعرفة، للعمل الصحيح والوافي على إحداث ما هو مطلوب من تطور في كل مرحلة من مراحل التجربة وعلى نحو شديد الوضوح والقيمة والإنجاز”. ويؤكد الناقدان على أن هذه الرؤية التحديثية والتطويرية “لا تتوقف عند حدود العمل الفني الإجرائي في الداخل النصي فقط، بل تشمل الانفتاح الواعي والمدرك على فضاء الخارج فيما يخص طريقة الأداء الفني والتخطيط لإصدار المجموعات الشعرية استنادا إلى وعي زمني معين ومقنن، وغير ذلك من الإجراءات التي تجعل فعالية التجديد والتطوير والتحديث مناسبة لحركية العمل الداخل – نصي”. وتكشف الدراسة الأولى في الكتاب التي قدمها الأكاديميان محمد شيرين تشنار ومراد كافي تحت عنوان “جدلية الحرب والحب في شعر سعيد الصقلاوي”، عن الروابط الفنية والجمالية والدلالية والسيميائية التي تربط بين الحرب والحب حين يستحضران معا في مقام واحد. وقد انتخب الباحثان المقطوعة الشعرية “بحث” للصقلاوي، لتكون أنموذجا تطبيقيا لدراستهما السيميائية النقدية، التي تسعى إلى عقد مقاربة مفهومية بين الحرب والحب من وجهة الفكر الشعري والفلسفي والوجداني والمجتمعي لسعيد الصقلاوي. وعاينت الدراسة الأبعاد الجمالية والقيم الفنية لمفهومي الحرب والحب انطلاقا من العلاقة الترميزية السيميائية التي تفرق بينهما، ورصدت الطاقات الفنية والجمالية الكامنة في الفلسفة الشعرية التفكيرية التي يحاول الصقلاوي مشاركة القارئ إياها في ديوانه “غارق يغني”. وخلصت الدراسة إلى أن الصقلاوي الذي يدعو إلى التجديد والتحوير الفني في صوره الشعرية القائمة على النزعة السيميائية الرامزة، وعقد مقاربات تصويرية داخل الصور الشعرية التي قدمها في مقطوعته المعنونة “بحث” على أساس سيميائي حضر فيه الرمز والأسطورة بشكل جليّ وفعال، إضافة إلى أن الصقلاوي يعوّل على عملية الفهم العميق والإدراك الفطن لدى القارئ لجملة من الأطروحات والأفكار التي أراد تمريرها في شعره، لتظهر عمق ما يذهب إليه. وفي الدراسة الثانية التي جاءت بعنوان “اللغة الشعرية وجماليات الفنون”، يرى الباحث والناقد إبراهيم نامس ياسين أن الفنون تشترك فيما بينها في الكثير من حراكها الإبداعي على مستوى التعبير والتشكيل، فيأخذ فنا من آخر ويستعير فنا من آخر بحسب الحاجة، وأن هذه الفنون تنهل من منهل واحد وتحاول أن تصنع الجمال للبشرية بطرق مختلفة، مؤكدا على أن لغة الصقلاوي تتميز في هذا المقام بالأصالة والحداثة معا على النحو الذي دفعه للإفادة من تقانات الفنون الأخرى وتوظيفها في شعره. ووضّح الباحث أن قصيدة “أنا والليالي” للصقلاوي تنتمي إلى فضاء السرد الشعري ابتداء من عتبة عنوانها، مرورا بجوهر الحكاية الشعرية، وصولا إلى الخاتمة السردية في الحكاية الشعرية في هذه القصيدة التي تظهر بصورة مشحونة بالطاقة الإيجابية التي تغادر في نهاية المطاف كل الهموم المرتبطة بجوهر الحكاية. وفي دراستها التي جاءت بعنوان “الحس الرومانسي في ديوان ‘غارق يغني‘”، سعت الناقدة الجزائرية سامية غشير إلى إبراز ملامح الحس الرومانسي في تجربة الصقلاوي الشعرية، حيث تجلت عاطفته بصورة واضحة، وتجسدت نزعته العاطفية التي عبرت عن “ذات حالمة، مرهفة الحس، متأملة، تنشد الحياة والجمال والحب والطبيعة”، كما تلاحم الشاعر مع قضايا عديدة ألهمت قلمه، وشغلت تفكيره، وأغرت وجدانه، فأنتجت هذه التفاصيل ثقافته، وشكلت تجربته الشعورية. الرؤية التحديثية والتطويرية للشاعر "لا تتوقف عند حدود العمل الفني الإجرائي في الداخل النصي فقط، بل تشمل الانفتاح الواعي والمدرك على فضاء الخارج فيما يخص طريقة الأداء الفني" وقالت غشير إن الصقلاوي في ديوانه “غارق يغني” يرسم لنا “لوحات فنية مرسومة بماء الحب، والطبيعة، والإنسانية. قصائد منفتحة على الرمز، تنحت السعادة والأعياد والموسيقى والخيال”، وإنه قد انفتح على النزعات الشعرية المختلفة في بناء قصائده (خاصة الشعر الرومانسي، والشعر الصوفي)، فبدا “شاعرا مرهف الحس، متفاعلا مع عناصر الطبيعة، ومتناغما مع سيمفونيتها الهيفاء”. وتوقفت غشير عند أبرز الموضوعات الرومانسية في الديوان كالحب، والطبيعة، وتوظيف الرمز، لتؤكد على أن الصقلاوي اهتم بنقل وتصوير التجربة الشعورية، وبتفاعلها مع المحيط الخارجي والقضايا الإنسانية المتعددة، وقد تمظهر الحس الإنساني في مستوى الشكل والمضمون، في الشكل من خلال اللغة والصورة الشعرية والعنوان، أو في عتبة العنوان، أو في الموضوعات المعالجة. وفي الدراسة الرابعة في الكتاب التي جاءت بعنوان “جماليات التشكيل اللغوي في شعر سعيد الصقلاوي”، بين الأكاديمي ماجد حسن حاج محمد أن الصقلاوي أحسن استخدام اللغة ليجعل من قصائده فنا راقيا، وجعل من قراءتها عملا شاقا؛ لعمق أغواره على صعيد الفكر والروح معا، فالقصائد لا تجذب القارئ من خلال الموضوع الذي تركز عليه فقط، بل من خلال عبقرية التشكيل اللغوي التي يعتمدها الشاعر في بناء القصيدة، فللغة سلطان على القصيدة في شكلها ومضمونها، ولها أدوار ووظائف أخرى تؤديها ضمن العمل الأدبي. وتطرق الباحث إلى ذلك من خلال محاور ناقشت جماليات البنية السردية، وجماليات التشكيل التركيبي، وجماليات التشكيل الصوتي. ورأى حاج محمد أن الصقلاوي اعتمد في بعض قصائده على الحوار الخارجي، ليبتعد عن التجسيم الدرامي ويقترب من السرد القصصي، كما لجأ في الكثير من قصائد ديوانه إلى الشخصية الرمزية المستوحاة من الطبيعة، وحرص على القيمة الصوتية للأحرف والمفردات في قصائده؛ لأنه تنبه إلى قيمتها الدلالية والبلاغية والنفسية والانفعالية، ما دفعه إلى تنظيم أحرفه ومفرداته وصياغتها في نسيج نصه الشعري بما يحقق لهذا النص إيقاعا محركا لانفعالات المتلقي. يذكر أن سعيد الصقلاوي يرأس الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، ويتولى منصب نائب الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وصدر له في الشعر دواوين من بينها: “ترنيمة الأمل”، “أنت لي قدر”، “أجنحة النهار”، “نشيد الماء”، “وصايا قيد الأرض”، “ما تبقى من صحف الوجد”. وترجمت أعماله إلى عدد من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وأنجزت مجموعة كبيرة من البحوث الأكاديمية عن تجربته الإبداعية.

مشاركة :