د. نزار القبيلات * يشترك كل من عالم النحو الشهير «سيبويه»، الذي ذاع صيته في القرن الثاني الهجري، وعالم الدراسات اللغوية التطبيقية في ستينيات القرن المنصرم السويسري «دوسوسير»، وكذا عالم السّرديات الشهير الروسي «فلاديمير بروب»، والذي سطع نجمه أواخر القرن الماضي، يشتركون بقصة معاناة وألم واحدة، فقد تعرض هؤلاء الثلاثة على تباين سياقاتهم الزمنية والمكانية إلى عملية تهميش وإقصاء نتيجة طرحهم الذي اصطدم عملياً بفكر تقليدي سائد له أساتذته ومريدوه الذين يتحوّطون عليه. أخبار ذات صلة الهلال يُعلن رحيل دياز لايبزج يتوج بكأس ألمانيا فقد قفز هؤلاء العلماء بطروحاتهم حاجز العادي والمألوف والسائد، وحققوا ابتكارات علمية جديدة في حقول علوم اللغة والأدب، ولأن سردية هذه القصص معروفة يكفي أن نذكر بأن سيبويه ودوسوسير لم يكملا مشروعهما نتيجة قوى الشد العكسي والصدود الذي تعرضا له، فكان أن نهض طلبتهم تالياً بمشاريعهم العلمية، فجمع طلبة سيبويه دُروسَه التي كان يلقيها عليهم ووضعوها في كتاب عُرف بـ«الكتاب»، وكذا فعل طلبة دوسوسير بعد أن جمع طلبته محاضراته التي كان يلقيها عليهم فوضعوها في كتاب عرف بـ «علم اللغة العام»، أما بروب والذي أحدث نقلة لا تقل أهمية عنهما في علم تحليل المرويات، منطلقاً من الحكاية الشعبية الروسية، فقد أغمي عليه في قاعة الدرس في جامعة «سانت بطرسبورغ» نتيجة التضييق والاستخفاف الذي تعرض له من زملائه أولاً قبل الآخرين. الغريب أن قوى الشد العكسي هذه لم تكن من تلك النزعة التي تصدر من لدن القوى المحافظة الاجتماعية والملتزمة، بل من طبقة العلماء الذين يفترض أن يكونوا مجددين، ويسلكوا طرق الاكتشاف والابتكار والتحديث على الدوام، فنحن ندرك أن استقبال الأفكار والبنيات الجديدة وتلقيها بدايةً قد يتعرض أول الأمر لصدود ومعارضة شديدة، لكنه سيغدو تالياً عملياً ومقبولاً، ولا أدل على ذلك مما تعرض له «غاليلو» ذاته مكتشف استدارة الأرض، وكذا عائلة «مرسيدس بنز» مكتشفة محرك السيارة، والذين وصل أمر رفض اختراعاتهم إلى حد تكفيرهم، وسلبهم الكثير من حقوقهم، لكنهم وبعد مضي الزمان تبين أن لاكتشافاتهم واختراعاتهم تلك فائدة كبيرة لم ينقطع الاهتمام بها حتى اليوم. لذا فإن أي حجر تُلقى في ماء راكدة لا بد من أن تحدث اهتزازات تأتي على الراكن والمستقر في قاعه، فتزلزله فيلحقها ما يلحقها من تبعات، لكنها ستثبت ومع تقادم الزمان مدى أهليتها وحاجتنا إليها. * أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية
مشاركة :