أسعدوا المستهلكين.. تسعدوا

  • 6/9/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لماذا تبقى أسعار الغذاء لدينا مرتفعة، بينما تتراجع في كل الدنيا؟، ما سر هذا التناقض الصارخ بين أسعار البقالات في الشرق والغرب؟، ومن الذي يتحكم في تسعير منتجات قطاع ضخم يتجاوز حجمه 6 تريليونات دولار، ومرشح للوصول إلى 9 تريليونات دولار بعد ثلاثة أعوام فقط؟.. أسئلة مشروعة يفجرها تقرير منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" الصادر هذا الأسبوع، والذي يؤكد هبوط أسعار الغذاء العالمية لأدنى مستوياتها منذ عامين، الأمر الذي استفز الكثيرين لإجراء مقارنة مثيرة عن أسعار العالم التي تنزل، وأسعارنا التي تصعد، وربما، يكون التقرير محفزاً للجهات المسؤولة، وجمعيات حقوق المستهلكين، لكي تمارس أقصى ضغط من أجل استعادة العدالة السعرية المفقودة في الأسواق. تكفي نظرة سريعة على مشهد أسعار السلع الزراعية، لكى ندرك حجم الفجوة الرهيبة بين أسواقنا وأسواقهم، وعلى سبيل المثال، هبطت أسعار القمح 47% منذ العام الماضي، بينما تراجعت أسعار الذرة وفول الصويا 20%، فيما نزلت أسعار زيت عباد الشمس 60%، وانخفض سعر الدجاج 16%، والبيض 56%، والجبن30 %، والحليب 36%، لكنها، تراجعت لم تلق صداً يذكر في بعض أسواق الشرق الأوسط، لأسباب متعددة، في مقدمتها، ضعف الإنتاج المحلي، وجشع التجار، والاحتكار، وضعف الرقابة على الأسواق، وتقلبات أسعار العملات، وقيود الجغرافيا السياسية للأغذية، وارتفاع تكاليف الأجور، والنقل، والتعبئة والتغليف، وقد كان للإنفاق الحكومي الضخم أثناء الوباء، أضراره أيضاً، حيث تهاون بعض المعنيين بالملف، ظناً منهم أن المستهلكين محصنون ضد الشكوى من أي زيادات سعرية، بسبب ما حصلوا عليه من مساعدات مالية تكفي للصمود، وهذا يؤشر على أن السياسة المالية في بعض الدول عملت ضد مصلحة المستهلكين بمرور الوقت. وحتى لا نمعن في جلد شركات الأغذية، فإننا يجب أن ندرك أن لهذه الشركات ترتيبات تعاقدية، قد تساعدها، أو لا تساعدها، في خفض التكاليف، حيث تلزمها تلك العقود التجارية بدفع أسعار مماثلة للموردين لعدة أسابيع، وأحيانًا أشهر، وهذا الالتزام المرهق دفعها، تلقائياً، إلى تحميل الفاتورة الباهظة على جيوب المستهلكين، ونصيحتي الذهبية للشركات تتلخص في ثلاث كلمات: "أسعدوا المستهلكين تسعدوا"، وإياكم والاغترار بتحقيق أرباح طائلة من الجشع على المدى القصير، لأنكم ستخسرون حتماً على الأمد الطويل، وقد تصبحون طي النسيان. والواقع، أنه يصعب فهم اقتصاديات سلاسل التوريدات في قطاع الأغذية، حتى بالنسبة للمزارعين الذين عبروا في مناسبات عديدة عن غضبهم من جشع التجار، حيث يعطونهم هوامش ضئيلة، بينما تباع منتجاتهم في البقالات بأسعار قياسية، وإذا كانت زيادات التكاليف منحت التجار الغطاء اللازم لزيادة الأسعار بشكل مبالغ فيه، مستغلين عدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق، فإنهم اختبروا أيضاً شهية المستهلكين للإنفاق، وتبين لهم أن المتسوقين مستعدون دائماً للدفع أكثر، فقرروا استغلال الموقف، والتمسك بالأرباح الزائدة، وتصحيح ما اعتبروه أسعارًا منخفضة للغاية خلال السنوات السابقة، معتنقين فكرة أنه، كلما كبرت الخطيئة، زادت الأرباح. يستغرق تغير الأسعار بعض الوقت، وقد يصل في العادة إلى ستة أشهر، حتى تنتقل الأسواق إلى مرحلة تصحيح الأسعار، وفي كل الأحوال، من المستبعد العودة إلى نوعية الفواتير الصغيرة التي رأيناها قبل سنوات الوباء، فقد انتهى العصر الذهبي للأغذية الرخيصة، ولهذا، سوف تشكل مواسم ازدهار القوة الشرائية المقبلة مثل الحج، واللحوم والأضاحي، والأعياد، والملابس، والسفر والسياحة، والترفيه نقاط مقاومة تمنع انزلاق الأسعار إلى النسب المعقولة التي يأملها المستهلكون، وعلى الشركات أن تفكر في السؤال الأخطر، وهو: إذا تم وضع أسعار تعجيزية على السلع والمنتجات الغذائية، فكيف سيتمكن المستهلكون الغاضبون من شرائها، وبأي طريقة؟.

مشاركة :