لا أحب كثيرا الحديث عن الشأن الاقتصادي لعدة أسباب، لعل أهمها أني لا أفهم كثيرا في الاقتصاد، ولا في الأمور التي تتعلق بالأموال وجمعها وإنفاقها، ولو أن في نوبل جائزة لأفشل شخص يتعامل مع المال فإني واثق بأني سأشرف الأمة، وسأفوز بالجائزة مرات عديدة، كإنجاز لا أظن أن أحدا سبقني إليه.لكن الاقتصاد هو حديث الساعة، والكل خبراء فيما يبدو، فلم أدخل مكانا إلا وسمعت أحاديث عن الاقتصاد والنمو والتراجع ومعدلات التضخم، وبقية تلك المصطلحات التي تدور في فلك المال. ولذلك فإن استمرار جهلي سيجبرني على السكوت وأنا شخص يحب الثرثرة.قررت أن أبدأ في تجربة الحديث عن الاقتصاد في دائرة صغيرة من الأصدقاء قبل أن أنشر نظرياتي للعالمين، فذهبت لأحد الأصدقاء ولكني وجدته مشتتا شارد الذهن تتجاذبه الهموم من كل اتجاه، ولا يكاد يجد نفسه كأنه علاوة سنوية، كان بائسا ممزق الأوصال، كأنه راتب موظف حكومي. وحين أجد أحد أصدقائي في مثل هذه الحالة فإني لا أتردد في اغتنام الفرصة ولعب دور المنظر الذي يفهم في كل شيء، ولديه حلول لجميع المشاكل، وأنا كذلك بالفعل وأجد أن لدي القدرة على تشخيص وحل كل المشاكل في هذا الكوكب، باستثناء المشاكل التي أواجهها.ودون أن أسأله عن مشكلته بدأت في الحديث عن الأموال، وأنها تأتي وتذهب، وأن مشاكل كثرتها أكثر من مشاكل قلتها، وأن خصم العلاوات السنوية يوفر 3% من فاتورة الرواتب، ولكني وجدت أنه لم يعرني أي اهتمام، ولم يلتفت إلي وأنا أعظه لعله يكون من الزاهدين، وهنا بدأت أشك أن مشكلته ليست اقتصادية، وهذا أمر مستغرب بالفعل، فالناس في هذه الأيام لا يؤلمهم إلا ذهاب الأموال ولا يسعدهم إلا عودتها، وما عدا ذلك من أمور فإنه من «وسخ الدنيا» الذي لا قيمة له في أدبيات هذا الزمان الجميل.وحين قررت أن أسأله بشكل مباشر عن سبب حزنه، عرفت حينها أن الأمر يتعلق بهزيمة فريقه بشكل بشع في مباراة لكرة القدم، وأن الأمر لا علاقة له بالمشاكل المالية، فهو موظف حكومي زاهد في المال وفي الحياة.وعلى أي حال..فقد وجدت في حالة صديقي فرصة سانحة لإطلاق أول نظرياتي الاقتصادية، فقلت له عليك أن تزهد في الـ 3% كما زهد فريقك في الثلاث نقاط، وأن تكون سعيدا لأنك أدخلت السرور إلى قلب إنسان ما، فالثلاث النقاط التي خسرها فريقك أسعدت فريقا آخر ومشجعيه وأتباعه، تماما كما فعلت الـ 3% التي أحزنت أناسا وأسعدت آخرين.@agrni
مشاركة :