يتابع المثقفون ومحبو القراءة والاطلاع، وفئات عديدة في مجتمعاتنا العربية، أخبار معارض الكتاب في العواصم العربية على مدار العام؛ وفي الجهة الأخرى تتسابق معارض الكتاب على استقطاب أكبر عدد من الزوار من خلال التنافس على جودة وتنوع وتعدد العرض في كل موسم، وفي جودة وتنوع وتطوير نشاطاتها وزيادة أعداد الناشرين والعارضين، ودعوة الأدباء والكُتّاب للحضور إلى حفلات التوقيع والتوزيع والتعريف بإصداراتهم الجديدة، والالتقاء بقرائهم، ودعوة المفكرين للحديث في ندوات فكرية وأدبية تليق بقوة المعرض وقيمته المعنوية، ما يجعل من تلك المدن والعواصم في مواسم معرض الكتاب مقصداً سياحياً معرفياً مهماً، للجماهير الكبيرة القادمة من الداخل والخارج؛ حتى تحولت بعض المعارض إلى فرصة راقية لتبادل الرأي ووسيلة مهمة للعلاقات العامة على المستوى الفكري والثقافي المحلي والإقليمي والدولي. كانت البحرين من أوائل دول الخليج العربي التي سارت على نهج إقامة معارض الكتاب منذ سنوات طويلة. وفي الوقت الذي كان الكتاب مقموعاً في أغلب دول المنطقة، سارت البحرين خطوات واسعة ومتقدمة في عقد معارض للكتاب إن كان على مستوى المدارس أو المكتبات أو غيرها. وتقديراً لتاريخ البحرين في إقامة معرض الكتاب فترة زمنية طويلة، اكتسب «معرض البحرين للكتاب» خلال السنوات الأخيرة اهتماما وتقديرا كبيرين من وسائل الاعلام، ومن دُور النشر والتوزيع؛ وحصل على فرص أكبر في زيادة أعداد الزوار والمهتمين، واستقطب زواراً عربا وخليجيين، واكتسب سمعة إقليمية جيدة جداً بما حصل لهذا المعرض من تطوير في مضمونه المعروض وتوسيع في مساحته وفي أعداد المشاركين فيه، وخصوصاً منذ بدء مشروع جلالة الملك الإصلاحي، حيث الانفتاح الديمقراطي يعد داعماً وملهماً لاستقطاب المزيد من المفكرين والمثقفين والكتاب والأدباء، والمزيد من التنوع في دور النشر، والمزيد من الضيوف من خارج البلاد، الذين يذكرون أنهم يضعون تاريخ معرض البحرين للكتاب في رزناماتهم، لأنه كان من المعارض الأكثر انفتاحاً والأفضل تنظيماً وحضوراً. بعد كل ذلك التاريخ والحضور البحريني في عالم الثقافة والمعرفة اختفى فجأة معرض البحرين للكتاب من خريطة معارض الكتاب العربية، ويبدو أن هناك مَن قرّر في ليلة ظلماء منع إقامة هذا المعرض دون ذكر الأسباب، في الوقت الذي زاد عدد المعارض التي نتابع أخبارها، ونتعنى لزيارتها في خارج البلاد، من الرباط إلى الرياض ومسقط وأبوظبي والشارقة والدوحة والقاهرة وتونس وغيرها لتغطي كافة العواصم العربية تقريباً، هكذا فجأة اختفى اسم البحرين من رزنامة معارض الكتب، وألغي هذا الموسم الثقافي المهم، الذي كان من الجدير أن يلقى اهتماماً أكبر ليكون أحد منارات المعرفة، والتعريف عن بلادنا وعن مجتمع البحرين الثقافي. وهنا أعيد تكرار سؤالي: لماذا؟ لماذا تم منع إقامة معرض البحرين للكتاب؟؟ المعرض الذي يزيد جمال مجتمعنا البحريني جمالاً وتقديراً وحضوراً في مجتمع المعرفة، وبين الفئات الفكرية والثقافية العربية وغير العربية. ما هي المشكلة المستعصية التي تستدعي وقف معرض بهذه الأهمية مادياً ومعرفياً وسياحياً؟ نعم، نعلم أن هناك سياسات دولية لنشر «نظام التفاهة» في العالم، ولكن لم نتوقع أن تشارك سياساتنا في هذا التوجه الخطير، إذ إن منع الكتاب والمعرفة هو إحدى أدوات اتساع مساحة «نظام التفاهة» وانتشاره في المجتمع عمودياً وأفقياً، وعلى جميع المستويات. وهكذا تتراجع البحرين ثقافياً بعد أن كانت الثقافة سمتها وهويتها الجميلة، بينما تتقدم دول الخليج من حولنا في اكتساب هذه السمة والهوية الرائعة. وإلى حين سماع الجواب المقنع عن سؤالنا، أو إلى حين إلغاء ذلك القرار المجحف، سيبقى للحديث بقية.. مي زيادة
مشاركة :