من الصعب التعامل مع مَشهد الإجماع المسيحي (ما عدا «تيار المردة» ورئيسه المرشّح سليمان فرنجية) على ترشيح جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، وكأنه محطة عابرة في مرحلةٍ سياسية تمتزج فيها التحدياتُ السياسية بالطائفية، وإن كانت القوى المسيحية وعلى رأسها الكنيسة المارونية لا تتعامل مع التوافق على أزعور وكأنه اصطفاف طائفي. وهي المرة الأولى منذ الالتقاء على طرْح القانون الارثوذكسي (كل طائفة تنتخب نوابَها)، تتصرّف القوى المسيحية مُجْتَمِعَةً على قاعدة مختلفة تُعْلي وحدةَ موقفها، كما أنه وللمرة الأولى منذ المقاطعة المسيحية للانتخابات النيابية في 1992، لا يَخْرج المسيحيون من السِباق الرئاسي والصراع السياسي مبكراً ويسلّمون لخصمهم. وحتى في اتفاق الدوحة (مايو 2008) انصاع المسيحيون إلى تسويةٍ لم تكن تُحَقِّق لهم نتائج تُذكر. فالعماد ميشال عون قَبِلَ التضحية بتسميته رئيساً للجمهورية مقابل هذه التسوية، فيما ارتضت «القوات اللبنانية» ما ارتضاه حليفاها حينها تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». ولم يكن نضوجُ الاتفاق على اسم ازعور، الذي يتواجه غداً الأربعاء مع فرنجية في جلسة انتخابٍ يعقدها البرلمان وتحمل الرقم 12، وليدَ لحظةٍ عابرة في مسار التقاء القوّتيْن الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين أي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وهما اللذان صاغا سابقاً تفاهم معراب الذي وضع عون على كرسي الرئاسة. لكن الطرفين اللذين تَكَسَّر تفاهماً على امتداد سنوات العهد الست، تَصرّفا في الوقت الراهن بحذرٍ شديد تجاه بعضهما البعض. فعاملُ الثقة بين «القوات» والتيار الحر بقي مفقوداً خلال مرحلة الأخذ والرّد حول ترشيح أزعور ولا يزال، لأن ثمة هاجساً قواتياً بأن التيار قد يسحب ورقةً مَخْفية من جيْبه في لحظةٍ ما بعد الجلسة الانتخابية، وهي ظلّت حذرة إلى اللحظة الأخيرة خشية أن يتشدد التيار أيضاً في اختيار اسم مرشحه الأول زياد بارود الذي ترفضه القوات التي يُعتبر قائد الجيش العماد جوزف عون خيارَها الثاني، وهي تنظر بريبةٍ الى كل ما يتعلّق بالتيار، ولا سيما بعد زيارة عون لدمشق أخيراً والتي بقيت غير مفهومة لدى فئة كبرى من السياسيين الذين لم يَجدوا مبرّراً لها. يَعتبر التيار أنه تمكّن من جذْب «القوات» إلى مرشحٍ كانت ترفضه وكان التيار يؤيده أي أزعور، و«القوات» ترى في المقابل أنها نجحتْ في استقطاب التيار الى مساحتها التي تلتقي مع الكتائب وبعض المعارضين على الوقوف في وجه حزب الله. وهنا نقطة الاختلاف بين القوتين المسيحيتين الأكبر. فـ «القوات» ضدّ مرشح حزب الله وضدّ الحزب، فيما التيار يقف معارضاً لمرشح «حزب الله» لكنه يريد إعادة احياء التفاهم مع الحزب حول مرشح وسطي. علماً أن ما وصلت إليه الأمور بين طرفي تفاهم «مار مخايل» لا يوحي بأن التيار قادر على إحداث خرق متجدّد مع حزب الله. وهذا يُبْقيه في خانة التموْضع الذي عاد إليه ويذكّر بمرحلة عام 2005 حين كان التيار جزءاً من «انتفاضة الاستقلال» قبل أن تفترق طريقُه عن «ثورة الأرز» وعن «القوات» ويذهب كلٌّ من الطرفين المسيحييْن إلى تحالف مختلف عن الآخَر جذرياً. لا يمثّل أزعور بالنسبة الى الطرفيْن الشخصية المسيحية التي كان يُفترض بهما أصلاً التوافق عليها. فأزعور الماروني الشمالي من الضنية، لا ينتمي الى الوسط المسيحي السياسي بالمعنى المباشر، كالمرشحين الآخرين الذين جرى التداول بهم، من زياد بارود القريب من بكركي، إلى صلاح حنين الذي كان عضواً في «لقاء قرنة شهوان» (رعتْه بكركي في ابريل 2001 وشكل ما يشبه «المكتب السياسي» للبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير في مرحلة «حفْر» طريق إخراج سورية من لبنان)، مروراً بالنائب ميشال معوض عضو «قرنة شهوان» والقريب من بكركي وابن الرئيس، شهيد اتفاق الطائف، رينيه معوض والذي خاضتْ به غالبية قوى المعارضة جولات الـ لا انتخاب الـ 11 السابقة. فأزعور كان يمثّل حتى وقتٍ قريب الشخصية المسيحية المارونية القريبة من الرئيس فؤاد السنيورة و«تيار المستقبل»، وبهذا المعنى لم تبدأ المعركة حول ترشيحه سعياً لاختيار شخصية تقليدية في الوسط الماروني. ومع ذلك يخوض المسيحيون إجماعاً حوله، مقابل رفض مرشحٍ تقليدي ينتمي الى البيئة المارونية التقليدية وسليل عائلة سياسية وحفيد رئيسٍ للجمهورية. لكن يفترض الاعتراف بأن هذا الإجماع لم يكن ليتم لولا غطاء بكركي. فللمرة الأولى في تاريخها تتبنّى بكركي مرشحاً واحداً، تغطّي به الإجماعَ المسيحي، وتعمل بكل ثِقْلها من أجل التصويت له. وهذا أمر نادر حصوله في تاريخ الكنيسة المارونية. لكن بكركي لا تقف خلف ترشيح أزعور، كونه مرشحها الأوحد، وهو أساساً لم يكن كذلك، ولا سيما بعد اللائحة التي أعدّتْها وفيها مجموعة من الأسماء المرشّحة كان بينها أزعور. لكن تَطوُّر مفاوضات الرئاسة، ولا سيما بعد رسائل الرئيس نبيه بري المتكرّرة بضرورة اتفاق المسيحيين والموارنة على اسم مرشحٍ واحد، جَعَلَ من التفاهمات المحلية ضرورةً غطّتْها بكركي، وحملتْ خلاصاتها إلى باريس في اللقاء الذي جَمَعَ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. وبهذا المعنى أصبحتْ هناك جهة واحدة تقف خلف أزعور موزَّعة بين القوات اللبنانية والتيار والوسيط الكتائبيّ الذي ساهَمَ في تذليل كثير من العقد بين الطرفين. وتبعاً لذلك، وعشية جلسة الأربعاء، لا خاسر حتى الآن في هذا الاصطفاف المسيحي، المتقاطع مع الحزب التقدمي الاشتراكي وأصوات نيابية سنية متفرّقة وبعض التغييريين والمستقلّين. لكن بقدر الحرص على إظهار إجماع مسيحي، يبدو الطرفان المسيحيان الوازنان حريصيْن على إشراك المكوّنات السنية، بعد التموْضع الدرزي. علماً أن «القوات» والتيار نفسيهما يخشيان أن يكون هذا الاصطفاف مرحلياً، أي لا يتعدى جلسة الأربعاء. إلى هذا الحد كان عامل الثقة مهمّاً لدى «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في عدم التعامل مع ترشيح أزعور على أنه محطة ينتهي مفعولها مع جلسة الانتخاب الأولى التي ستشهد إسقاط اسمه في صندوقة الاقتراع. وعلى هذه الجلسة يمكن قراءة مستقبل العلاقة بين المكوّنات المسيحية. من الصعب التعامل مع مَشهد الإجماع المسيحي (ما عدا «تيار المردة» ورئيسه المرشّح سليمان فرنجية) على ترشيح جهاد أزعور لرئاسة الجمهورية، وكأنه محطة عابرة في مرحلةٍ سياسية تمتزج فيها التحدياتُ السياسية بالطائفية، وإن كانت القوى المسيحية وعلى رأسها الكنيسة المارونية لا تتعامل مع التوافق على أزعور وكأنه اصطفاف طائفي.وهي المرة الأولى منذ الالتقاء على طرْح القانون الارثوذكسي (كل طائفة تنتخب نوابَها)، تتصرّف القوى المسيحية مُجْتَمِعَةً على قاعدة مختلفة تُعْلي وحدةَ موقفها، كما أنه وللمرة الأولى منذ المقاطعة المسيحية للانتخابات النيابية في 1992، لا يَخْرج المسيحيون من السِباق الرئاسي والصراع السياسي مبكراً ويسلّمون لخصمهم. وحتى في اتفاق الدوحة (مايو 2008) انصاع المسيحيون إلى تسويةٍ لم تكن تُحَقِّق لهم نتائج تُذكر. فالعماد ميشال عون قَبِلَ التضحية بتسميته رئيساً للجمهورية مقابل هذه التسوية، فيما ارتضت «القوات اللبنانية» ما ارتضاه حليفاها حينها تيار «المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». لبنان ينزلق إلى قائمة «نقاط الجوع الساخنة» منذ ساعتين بري المهجوس بإيصال فرنجية أخطأ في قراءة المتغيرات .. جنبلاط «التسْووي» لم يُساوِمْ وتيمور قال كلمتَه ومشى منذ يوم ولم يكن نضوجُ الاتفاق على اسم ازعور، الذي يتواجه غداً الأربعاء مع فرنجية في جلسة انتخابٍ يعقدها البرلمان وتحمل الرقم 12، وليدَ لحظةٍ عابرة في مسار التقاء القوّتيْن الأكثر تمثيلاً عند المسيحيين أي «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، وهما اللذان صاغا سابقاً تفاهم معراب الذي وضع عون على كرسي الرئاسة. لكن الطرفين اللذين تَكَسَّر تفاهماً على امتداد سنوات العهد الست، تَصرّفا في الوقت الراهن بحذرٍ شديد تجاه بعضهما البعض.فعاملُ الثقة بين «القوات» والتيار الحر بقي مفقوداً خلال مرحلة الأخذ والرّد حول ترشيح أزعور ولا يزال، لأن ثمة هاجساً قواتياً بأن التيار قد يسحب ورقةً مَخْفية من جيْبه في لحظةٍ ما بعد الجلسة الانتخابية، وهي ظلّت حذرة إلى اللحظة الأخيرة خشية أن يتشدد التيار أيضاً في اختيار اسم مرشحه الأول زياد بارود الذي ترفضه القوات التي يُعتبر قائد الجيش العماد جوزف عون خيارَها الثاني، وهي تنظر بريبةٍ الى كل ما يتعلّق بالتيار، ولا سيما بعد زيارة عون لدمشق أخيراً والتي بقيت غير مفهومة لدى فئة كبرى من السياسيين الذين لم يَجدوا مبرّراً لها.يَعتبر التيار أنه تمكّن من جذْب «القوات» إلى مرشحٍ كانت ترفضه وكان التيار يؤيده أي أزعور، و«القوات» ترى في المقابل أنها نجحتْ في استقطاب التيار الى مساحتها التي تلتقي مع الكتائب وبعض المعارضين على الوقوف في وجه حزب الله. وهنا نقطة الاختلاف بين القوتين المسيحيتين الأكبر.فـ «القوات» ضدّ مرشح حزب الله وضدّ الحزب، فيما التيار يقف معارضاً لمرشح «حزب الله» لكنه يريد إعادة احياء التفاهم مع الحزب حول مرشح وسطي. علماً أن ما وصلت إليه الأمور بين طرفي تفاهم «مار مخايل» لا يوحي بأن التيار قادر على إحداث خرق متجدّد مع حزب الله. وهذا يُبْقيه في خانة التموْضع الذي عاد إليه ويذكّر بمرحلة عام 2005 حين كان التيار جزءاً من «انتفاضة الاستقلال» قبل أن تفترق طريقُه عن «ثورة الأرز» وعن «القوات» ويذهب كلٌّ من الطرفين المسيحييْن إلى تحالف مختلف عن الآخَر جذرياً.لا يمثّل أزعور بالنسبة الى الطرفيْن الشخصية المسيحية التي كان يُفترض بهما أصلاً التوافق عليها. فأزعور الماروني الشمالي من الضنية، لا ينتمي الى الوسط المسيحي السياسي بالمعنى المباشر، كالمرشحين الآخرين الذين جرى التداول بهم، من زياد بارود القريب من بكركي، إلى صلاح حنين الذي كان عضواً في «لقاء قرنة شهوان» (رعتْه بكركي في ابريل 2001 وشكل ما يشبه «المكتب السياسي» للبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير في مرحلة «حفْر» طريق إخراج سورية من لبنان)، مروراً بالنائب ميشال معوض عضو «قرنة شهوان» والقريب من بكركي وابن الرئيس، شهيد اتفاق الطائف، رينيه معوض والذي خاضتْ به غالبية قوى المعارضة جولات الـ لا انتخاب الـ 11 السابقة.فأزعور كان يمثّل حتى وقتٍ قريب الشخصية المسيحية المارونية القريبة من الرئيس فؤاد السنيورة و«تيار المستقبل»، وبهذا المعنى لم تبدأ المعركة حول ترشيحه سعياً لاختيار شخصية تقليدية في الوسط الماروني. ومع ذلك يخوض المسيحيون إجماعاً حوله، مقابل رفض مرشحٍ تقليدي ينتمي الى البيئة المارونية التقليدية وسليل عائلة سياسية وحفيد رئيسٍ للجمهورية. لكن يفترض الاعتراف بأن هذا الإجماع لم يكن ليتم لولا غطاء بكركي.فللمرة الأولى في تاريخها تتبنّى بكركي مرشحاً واحداً، تغطّي به الإجماعَ المسيحي، وتعمل بكل ثِقْلها من أجل التصويت له. وهذا أمر نادر حصوله في تاريخ الكنيسة المارونية. لكن بكركي لا تقف خلف ترشيح أزعور، كونه مرشحها الأوحد، وهو أساساً لم يكن كذلك، ولا سيما بعد اللائحة التي أعدّتْها وفيها مجموعة من الأسماء المرشّحة كان بينها أزعور. لكن تَطوُّر مفاوضات الرئاسة، ولا سيما بعد رسائل الرئيس نبيه بري المتكرّرة بضرورة اتفاق المسيحيين والموارنة على اسم مرشحٍ واحد، جَعَلَ من التفاهمات المحلية ضرورةً غطّتْها بكركي، وحملتْ خلاصاتها إلى باريس في اللقاء الذي جَمَعَ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي.وبهذا المعنى أصبحتْ هناك جهة واحدة تقف خلف أزعور موزَّعة بين القوات اللبنانية والتيار والوسيط الكتائبيّ الذي ساهَمَ في تذليل كثير من العقد بين الطرفين. وتبعاً لذلك، وعشية جلسة الأربعاء، لا خاسر حتى الآن في هذا الاصطفاف المسيحي، المتقاطع مع الحزب التقدمي الاشتراكي وأصوات نيابية سنية متفرّقة وبعض التغييريين والمستقلّين. لكن بقدر الحرص على إظهار إجماع مسيحي، يبدو الطرفان المسيحيان الوازنان حريصيْن على إشراك المكوّنات السنية، بعد التموْضع الدرزي. علماً أن «القوات» والتيار نفسيهما يخشيان أن يكون هذا الاصطفاف مرحلياً، أي لا يتعدى جلسة الأربعاء.إلى هذا الحد كان عامل الثقة مهمّاً لدى «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» في عدم التعامل مع ترشيح أزعور على أنه محطة ينتهي مفعولها مع جلسة الانتخاب الأولى التي ستشهد إسقاط اسمه في صندوقة الاقتراع. وعلى هذه الجلسة يمكن قراءة مستقبل العلاقة بين المكوّنات المسيحية.
مشاركة :