صراع على الرئاسة في لبنان.. وترقب «تفاهمات خارجية»

  • 6/14/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

على مدى نحو ساعتين تقريبًا، شهد مبنى المجلس النيابي في ساحة النجمة وسط بيروت حدثًا لا يخفى على أحد، وهو «استعراض العضلات» أو استعراض القوة، بحسب تعبير الدوائر السياسية في بيروت لمعرفة المسار الانتخابي، أو تحديدًا لقياس قوة كل طرف من «الطائفتين» وراء المنافسة الشديدة بين سليمان فرنجيه، وجهاد أزعور.. أي بين الثنائي الشيعي وتحالفاته، وبين قوى المعارضة من الكتل المسيحية الرئيسة المتمثلة بالقوات اللبنانية والكتائب والتيار الوطني الحر، وانضمام مجموعة من الكتل الأخرى لتأييد مرشحها جهاد أزعور، وأبرزها كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة تيمور جنبلاط وعددها ثمانية نواب. وما حدث كان مؤشرًا لاستمرار الانقسام العامودي في المجلس النيابي. وبات واضحًا، أن 12 جلسة انتخابية في البرلمان، لم تعد كافية لإخراج اسم الرئيس اللبناني الجديد وتخطي الأغلبية الواضحة والاتفاق بين حزب الله وخصومه، ولذلك ترى قوى سياسية في بيروت، أن الرئيس  الجديد، لا يصل إلى قصر بعبدا الرئاسي بعدد الأصوات النيابية فقط، إنما بالقرار الخارجي والتسويات الإقليمية.   وكان واضحًا أيضًا مع بداية الجلسة البرلمانية، اليوم الأربعاء، وربما قبل الدخول إلى القاعة، وداخل القاعة، ثم عند توزيع أوراق الاقتراع، أنه لن يتم انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة الانتخاب المحددة اليوم، وأن عنوان الجلسة هو إعطاء إشارة قوية للثنائي الشيعي، بأنه لن يستطيع فرض رئيس للجمهورية، بمعزل عن مشاركة باقي الأطراف السياسيين ولاسيما منها المسيحية. وهكذا.. دخل النواب جلسة اليوم، وهم يدركون سلفًا أن أصواتهم في صندوق الاقتراع لن تحسم المبارزة الرئاسية بين الوزيرين السابقين المرشحيْن سليمان فرنجية وجهاد أزعور، وأن يخوض فريقا المواجهة غمار المعركة الانتخابية ويعلمون سابقًا، أن ساعة الحسم لم تدق بعد، وأن ليس بإمكان أحدهما أن يؤمِّن الأصوات المطلوبة لفوز مرشحه بالرئاسة الأولى.     لبنان لا يزال يبحث بيأس عن سيناريو لإنهاء الأزمة، وهي الخطوة الأولى قبل تنفيذ الإصلاحات اللازمة لإخراج البلاد من الركود الاقتصادي والمالي الذي تعيشه.. وقد تسارعت المفاوضات لإيجاد خليفة للرئيس ميشال عون وحتى اليوم، بينما كانت الجلسة البرلمانية بمثابة «معيار» يحدد حجم الأصوات النيابية التي يستطيع كل طرف توفيرها لمرشحه، ومن خلالها يمكن تحديد موازين القوى السياسية. وهناك داخل المشهد السياسي اللبناني من يطرح توقعاته بأن الجلسة البرلمانية قد تفتح باب التواصل بين مختلف الأطراف، للبحث عن صيغة وسطية، يطرح من خلالها مرشح مقبول من كل الأطراف، لكي يتم انتخابه للرئاسة، وهذا يعني تخلي الثنائي الشيعي عن فرنجية والمعارضة عن أزعور، بعد استحالة انتخاب أحدهما للرئاسة. وتستبعد الدوائر السياسية في بيروت تلك التوقعات، وتجعلها خارج الحسابات تمامًا، وترى أنه من المرجح أن يعاد البحث في الملف الرئاسي بعد قدوم الموفد الرئاسي الفرنسي، إيف لودريان، مطلع الأسبوع المقبل إلى بيروت، وما يمكن أن يحمله من أفكار لتقريب وجهات نظر الأطراف السياسيين. الموفد الفرنسي الجديد جان إيف لودريان سيأتي إلى لبنان ليلملم جراح جلسة اليوم، ويُمهّد لحوار بين اللبنانيين وفك طلاسم المقاطعة الراهنة بين القيادات الحزبية والسياسية، وشق طريق التوافق حول الرئيس الجديد.     ورغم إدراك كل الأطراف السياسية أن جلسة اليوم ستقتصر على «استعراض عضلات» كل فريق عبر تعداد الأصوات التي سينالها كل مرشح. إلا أن أهميتها تكمن بأن مفعول تداعياتها من المفترض أن ينتهي مع انتهاء الجلسة وانصراف النواب، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة في السباق الرئاسي المفتوح على العديد من المفاجآت، بحسب تعبير المحلل السياسي اللبناني، صلاح سلام، رئيس تحرير صحيفة اللواء، موضحًا أن ما بعد الأربعاء ليس مثل ما قبله. وبعيدًا عن أجواء قاعة المجلس النيابي في ساحة النجمة، فإن «أجواء تفاهمات خارجية» مرشحة للوصول إلى الفضاء السياسي اللبناني، ومن شأنها أن تُحدث «اختراقًا ما» في جدار الأزمة المتفاقمة، بسبب الانقسامات العامودية المدمّرة، والتي أخذت طابعًا طائفيًّا ومذهبيًّا في الأيام الأخيرة، وأطلقت العنان لتفاهات التعليقات المحمومة على وسائل التواصل الاجتماعي. جلسة اليوم ستكرّس العجز اللبناني الداخلي عن إنهاء الشغور الرئاسي، ووضع البلد على سكة الإنقاذ، عبر سلطة جديدة تحظى بثقة الدول المعنية بتقديم الدعم للبلد المنكوب، بحسب تقديرات المحلل السياسي صلاح سلام، وتكون قادرة على تنفيذ الإصلاحات البنيوية الأساسية، لإخراج الدولة من دوامة الانهيار والتلاشي التي تتخبط فيها.   ومقابل الانسداد الداخلي في مسار الوضع اللبناني المتدهور، ثمة ديناميكية خارجية ناشطة بين عواصم اللقاء الخماسي، لبحث سبل التوصل إلى انتخاب الرئيس اللبناني، يكون بمثابة فاتحة عهد جديد يطوي صفحات التردي والضياع، ويستعيد وحدة اللبنانيين حول السلطة الشرعية والدولة، التي تبقى الملاذ الأخير لكل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومناطقهم، ومهما بلغت خلافاتهم. ويؤكد المحلل السياسي اللبناني، أن الاتصالات بين عواصم اللقاء الخماسي لم تهدأ، واحتمال العودة إلى الاجتماعات الخماسية وارد في أي لحظة، شرط أن يكون الوضع اللبناني ناضجًا لتحقيق تسوية تُنتج رئيسًا، تكون كل الأطراف فيها «رابحة»،بعيدًا عن حسابات الربح والخسارة، ولا يكون فيها فريق منتصر وآخر منهزم. وسيبقى التساؤل معلقًا في الفضاء طوال الأسبوعين المقبلين على أقل تقدير: هل تتجاوب أطراف الداخل مع مساعي الحل الآتي من الخارج؟

مشاركة :