قال مسؤول غربي مخضرم تعليقًا على السياسة الأميركية: «إن من يحفظ (رأسه) من دول الشرق الأوسط هذا العام، من دون التورط في حرب، يُكتب له عمر جديد. المهم أن يمر عام 2016». قد ينطبق هذا التحذير على بلدين بالذات: تركيا ولبنان. ذكر تقرير أميركي أن «وحدات حماية الشعب» (كردية) تحصل على السلاح من «البنتاغون»، وهي تقاتل أطرافًا من المعارضة السورية تحصل على أسلحة ودعم من وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)! حول هذا الأمر، يقول الكولونيل ستيف وارن المسؤول عن محاربة «داعش»، ومقره بغداد، إن واشنطن تحاول إقناع كل الأطراف شمال غربي سوريا بأن تركز على العدو الأهم وهو «داعش»، الأخطر على العالم كله. ويضيف أن واشنطن تعرف أن حلب مشكلة معقدة، لكنها تريد من الكل أن يدركوا أنها «مجرد قطعة صغيرة من الأرض بالمقارنة مع التحدي السوري الكبير»! لكن الوضع خطير جدًا، فالمسألة الكردية في سوريا قد تكون نقطة الاحتكاك التي تشعل شرارة حرب في المنطقة. الأسبوع الماضي، أمضى الرئيس الأميركي باراك أوباما ما يزيد على الساعة على الهاتف، مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يطلب منه عدم التصعيد. ويتساءل الأتراك: لماذا لا يضغط الأميركيون على الأكراد؛ فهم طلبوا منهم عدم استغلال الوضع واحتلال المزيد من الأراضي، لكن الأكراد لم يصغوا للأميركيين. ويقول العسكريون الأميركيون إنه لا خيار أمامنا سوى دعم الأكراد. أيضًا، ومنذ أكثر من شهر والطيران الروسي يساعد المقاتلين الأكراد على إبعاد المقاتلين الإسلاميين عن قاعدة «منغ» الجوية في حلب، التي أصبحت الآن تحت سيطرة الأكراد. الصورة الغريبة أن الروس الذين يقاتلون إلى جانب الرئيس السوري يرون في علاقتهم بأكراد سوريا نوعًا من «الزواج الملائم» لكن أكراد سوريا مرتبطون بأكراد تركيا (حزب العمال الكردستاني)، ويريدون التحكم بمنطقة على الحدود التركية تمتد ما بين 70 إلى 80 كيلومترًا، وصاروا يتقدمون صوب مواقع «الجيش الحر». تركيا لن تسمح للأكراد بإقامة إدارة كردية على طول حدودها، وباقتطاع المنفذ على الحدود من أعزاز إلى حلب، لهذا جرى الحديث أخيرًا عن حرب برية بحيث يمكن عندها إقامة الملاذ الآمن الصغير الذي تطالب به تركيا منذ أكثر من 4 سنوات. أمام هذا التوتر، أشار جون كيري وزير الخارجية الأميركي، مساء الأحد الماضي، إلى قرب التوصل إلى اتفاق مبدئي لوقف إطلاق النار يبدأ ليل الجمعة - السبت المقبلين. لكن يبقى الأمر أن المسألة الكردية في سوريا قد تؤدي إلى انفجار، ثم إن روسيا وتركيا في حالة صدام مع ما قد يتأتى عن هذا الصدام من تداعيات خطيرة. نُقل عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد إسقاط تركيا طائرة «السوخوي» أنه سيجعل إردوغان يندم عدة مرات على هذا الفعل. وحسب مصادر روسية مطلعة، فإن هدف الروس هو إغلاق الحدود التركية بمساعدة الأكراد السوريين، عندها تخنق روسيا المعارضة السورية، وتستعيد حلب وإدلب، وتتجه نحو الجنوب صوب الحدود الأردنية، بعدها تبدأ التفكير بقصف «داعش». هذا السيناريو لن تقبل به تركيا بكل تأكيد، ولن تقبل أن يتمدد الأكراد على حدودها مما يهدد أمنها القومي، وقد تتدخل بريًا، ولن يكفي اتصال هاتفي من واشنطن لوقف التدخل. وربما لا تزال واشنطن متمسكة بما وصل إليها خلال الصيف الماضي - قبل التمدد الكردي - وهو أن إردوغان كان يضغط على الجيش التركي كي يدخل إلى سوريا ويقيم ملاذًا آمنًا، لكن الجيش رفض ذلك. يقول كريستوفر هيل السفير الأميركي السابق لدى العراق، ومهندس «اتفاقية دايتون» في البوسنة، إن الوضع قد يتفاقم على الحدود، وهذا سيكون له تداعيات على أميركا، فتركيا عضو في الحلف الأطلسي الذي سيُطلب منه دعم تركيا. والكابوس الذي تتخوف منه إدارة أوباما هو أن ترى قوات الأطلسي داخل الحدود السورية تلاحق أكراد سوريا. يقول هيل: «الوضع يتعقد ويستدعي جلوس قوى خارجية حول الطاولة لترسم أي سوريا ستكون في المستقبل، فحتى الآن لم يُبذل أي جهد لفعل هذا». يقول مصدر روسي إن الوضع خطير، ويجب النظر إلى الصورة الكبرى، قد تحصل مواجهة حقيقية بين القوات الروسية والتركية. وفيما يشبه المبالغة يحذر من أن التصاعد قد يصل إلى البحر الأسود والقوقاز وأرمينيا وربما كاراباخ وأذربيجان. ويلفت إلى أن الوضع الآن يشبه تمامًا حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، عندما كادت الحرب تصبح حربًا أميركية - سوفياتية، لذلك يدعو إلى إبعاد أنقرة وموسكو عن المواجهة المباشرة «بأي ثمن». لكن، إذا تدخل الجيش التركي ليبعد أكراد سوريا عن حدود بلاده، لماذا قد يصل الأمر إلى مواجهة مباشرة مع الروس؟ يجيب: «لن يدخل الجيش التركي من دون غطاء جوي، فماذا يحصل إذا أسقط الروس طائرة تركية؟». لا يستبعد الأميركيون احتمال حرب روسية - تركية، وفي هذه الحالة سيكون الوضع خطيرًا جدًا، لذلك عليهم أن يدفعوا الأكراد إلى التراجع، لكن، حسب تجربة هيل، من الصعب دفعهم إلى التراجع عندما تتسنى لهم الفرصة. من ناحيتها، لم تعد تركيا الآن مهتمة ببقاء أو رحيل الأسد.. الأولوية لديها ألا يكون للأكراد أراض متصلة بعضها ببعض على طول حدودها مع سوريا، فهذه برأيها ستتحول إلى ملاذ آمن وربما نقطة انطلاق لمقاتلي «حزب العمال الكردستاني». روسيا تعرف ذلك، وقد تكون هذه وسيلة لفتح الباب أمام تخفيف حدة التصعيد. المشكلة الراهنة أن الحكي مقطوع بين موسكو وأنقرة، لهذا يتذكر مراقبون سياسيون في لندن دور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي السابق. يرى هؤلاء أن هناك حاجة لـ«دبلوماسية المكوك»، ويرد اسم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كالمؤهلة للقيام بمهمة بين أنقرة وموسكو عبر الضغط على الطرفين للتخفيف من حدة الوضع المتأزم. يسترجع المصدر الروسي ما أدت إليه «دبلوماسية المكوك» في هضبة الجولان. لم يتم حل المشكلة بل تجميدها، ولا يزال الوضع هادئًا منذ عام 1973. من جهتهم، يشكو الأوروبيون من أن الأميركيين لم يظهروا قيادة حقيقية، يكتفون بما ردده الرئيس أوباما من أن الروس إما سيغرقون في المستنقع السوري أو أنهم سيدركون أنهم يرتكبون خطأ. إلا أن هذا الخطأ قد يتسبب بحرب تتورط فيها كل أوروبا، وهم - الأوروبيون - يستبعدون أن يصل الأمر بروسيا وتركيا إلى حرب، فالدولتان تحتاج إحداهما للأخرى لأمور أكثر أهمية، اقتصادية وجيو - سياسية داخل آسيا الوسطى والقوقاز. ثم إن موسكو حذرت إسرائيل من محاولة التفكير ببيع الغاز لتركيا، فالسوق التركية للغاز الروسي. لذلك فإن المغامرة مكلفة جدًا «وستكون هناك محاولات لتخفيف التصعيد». يوم الاثنين الماضي، قال البيت الأبيض إن وقف إطلاق النار الجديد هو خطوة لدفع المفاوضات نحو تغيير سياسي في سوريا، قد يكون هذا هو المطلوب، لأنه يجب أن يتكون إدراك موحد عما سيكون عليه المستقبل في سوريا. هل ستبقى ضمن حدودها المعروفة، هل ستكون دولة فيدرالية؟ أو عدة دول؟ تتوفر الآن فرصة حقيقية لمعالجة الوضع بدل الحديث عن اتفاقات محلية لوقف النار، كما يريد الأسد، أو الحديث عن الانتخابات (حدد موعدها يوم 13 أبريل/ نيسان المقبل، إثبات جديد على أن الأسد يعيش في عالم وهمي). من الأفضل الحديث عن الترتيبات السياسية المستقبلية للدولة السورية، مع الأخذ في الاعتبار أخطار المواجهة التركية - الروسية، قد يكون حان الوقت للحديث عن مستقبل سوريا وعن تحالف دولي لإلحاق الهزيمة النهائية بـ«داعش». كان مطمئنًا لتركيا ما ورد في الاتفاق الروسي - الأميركي لوقف الأعمال العدائية في سوريا: إحالة سلوك غير الممتثل من قبل أي من الأطراف إلى وزراء المجموعة الدولية لدعم سوريا لتحديد الإجراء المناسب، بما فيه استثناء هذه الأطراف من ترتيبات الهدنة، وما توفره لهم من حماية!
مشاركة :