عرض نقدي للفيلم السينمائي "ميدنايت سبشيال"

  • 2/25/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نيكولاس باربر ناقد فني يبدو فيلم ميدنايت سبشيال الذي عُرض للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي الدولي وكأنه يعيد صياغة أفلام الخيال العلمي التي تسودها أجواء خارقة للطبيعة. في السطور التالية يتساءل الناقد نيكولاس باربر عما إذا كان من شأن هذا الفيلم ضخ روح جديدة في تلك الفئة من الأفلام التي ظهرت منذ سنوات طويلة. ربما يعرف عشاق السينما الممثل الأمريكي مايكل شانون، ذا الحاجبين اللذين يتخذ كل منهما شكل الخنفساء، بدوره في فيلم مان أوف ستييل (رجل من فولاذ)، الذي جسد فيه شخصية الجنرال زود، هذا الرجل الذي انتهى به المطاف وقد نُهشت رقبته. لكن رغم ذلك، لم ينته صراعه الذي دار في ذاك الفيلم مع سوبرمان. فبحسب الفيلم الدعائي القصير لفيلم باتمان ضد سوبرمان؛ سيعود زود – أو على الأقل جثته – للظهور لفترة وجيزة في العمل الجديد. أما في ميدنايت سبشيال، فقد تعين على شانون التعامل مع بطل خارق آخر، غير بعيد عن شخصية سوبرمان، ولكنه هذه المرة في الثامنة من العمر فحسب. فهذا الفيلم، وهو أحد أكثر الأعمال التي حظيت بالتصفيق والتهليل والإعجاب من تلك التي شاركت في مهرجان برلين السينمائي، من بنات أفكار المخرج جيف نيكولز. ويخوض به هذا الرجل غمار الأفلام التي تتناول أبطالا خارقين للعادة، عبر تصور ما الذي يمكن أن يحدث إذا ما أصبح طفلا صغيرا بمثابة غنيمة يطمع فيها أتباع جماعة دينية غامضة تؤمن بنهاية العالم وخرابه من جهة، وعملاء الحكومة من جهة أخرى، بسبب ما يحظى به من قدرات خارقة. وعلى أي حال، لا يعني ذلك أن الطبيعة الخارقة للعادة للفيلم لا تبدو جلية من الوهلة الأولى. فالمشاهد الافتتاحية هي نموذج من الطراز الأول، في توضيح كيف يمكن لصناع العمل جذب انتباه المشاهد واهتمامه، عبر تقديمهم له نفحة ضئيلة ومحيرة للغاية مما هو قادم. فنيكولز، وهو كاتب ومخرج فيلميّ مَدْ (الوحل) وتَيك شيلتر (اختبئ)، يبدأ عمله الجديد بتقرير تليفزيوني إخباري يتناول واقعة اختطاف طفل يُدعى ألتون (يجسد شخصيته الطفل جيدِن ليبير) في منطقة ريفية بولاية تكساس الأمريكية. بعد ذلك نلتقي بخاطفيّه اللذين ترتسم التعاسة على وجهيهما، وهما روي (يؤدي دوره مايكل شانون نفسه) ورفيقه لوكاس (جول أدغرتون)، ذاك الرجل الذي يفضل تقصير شعره للغاية، ويضفي وجوده على الأحداث طابعا رجوليا وصلبا تمس الحاجة إليه. يتحصن الاثنان في غرفة بأحد الفنادق الرخيصة مع ألتون؛ الصبي الهادئ الواثق من نفسه، الذي يبدو عاديا بما يكفي، رغم ارتدائه طيلة الوقت نظارات واقية من الماء ذات لون أزرق تُستخدم في السباحة. حتى هذه اللحظة، لا نعلم تحديدا طبيعة ما يريده الرجلان من هذا الطفل، ولكننا رأينا أنهما سيستبقيانه في قبضتهما مهما كان الثمن، حتى وإن كان ذلك يعني قيادتهما سيارتهما العتيقة من طراز شيفروليه خلال الليل الدامس دون إضاءة مصباحيها الأمامييّن، أو إطلاق النار على أحد رجال شرطة الولاية حينما يعترض طريقهما. بل إن السيناريو يتسم بعد ذلك بطابع أكثر إحكاما، عندما يداهم عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (إف بي آي) مكانا يدعى ذي رانش (المزرعة)، الذي يشكل مقرا لطائفة دينية ذات طابع شعبي مصطنع ومفتعل قليلا يقودها داعية ذو شخصية طاغية ومهيبة يُدعى كالفين ماير (يجسد دوره الممثل سام شيبارد). ويبدو أن العظات التي يلقيها هذا الداعية تتضمن مواد مستقاة من اتصالات حكومية فائقة السرية، وهي مواد حصل عليها ماير من ألتون؛ تلميذه الذي يغمغم دائما بألفاظ مبهمة كما لو كان في حالة وجد صوفي. ويتمثل التفسير الوحيد لذلك في أن الطفل لابد وأن يكون وسيطا روحيا. ولكن السؤال يتمثل في إلى أي مدى تصل قدراته في هذا الشأن؟ غير أن سؤالا آخر يثور في أذهان المشاهدين، ألا وهو تحت أي تصنيف يندرج هذا العمل على أي حال؟ فهل هو فيلم مثير عن عملية خطف خالية من الرحمة؟ أو هو فيلم ساخر ذو مسحة دينية؟ أم أنه فيلم جاسوسية؟ أو ربما فيلم خيال علمي من طراز هائل ومزلزل؟ يمكن القول إن الإجابة هي كل ما سبق، وهو ما يجعل المشاهد الافتتاحية لـميدنايت سبشيال ممتعة للغاية بالنسبة للمشاهدين. فمن النادر أن نجد فيلما تحتشد فيه كل هذه المكائد والدسائس في دقائقه الأولى. ولكن لسوء الحظ، لا تأتي المشاهد التالية على نفس المستوى الأخاذ والجاذب للانتباه. ففي البداية، يرتكب المخرج نيكولز خطأً يتمثل في تركه للداعية كالفين وجماعته الدينية جانبا وإغفال أمرهم تماما، مُتجاهلاً بذلك إحدى القواعد السينمائية الراسخة التي تقول إن أحداث أي فيلم يشارك فيه سام شيبارد تصبح أكثر إملالا بمجرد انتهاء دور هذا الرجل على الشاشة. كما أن المخرج بذلك يتخلى بذلك عن لغز كان قد جمّع مكوناته بمهارة وحذق بالغيّن في المشاهد السابقة. وبسرعة البرق، يكشف العمل عن الحقيقة الغامضة المتعلقة بهوية ألتون، ليتحول إلى أحد أفلام الخيال العلمي التقليدية، من تلك التي يتنقل أبطالها من مكان لآخر خلاله، إلى حد أننا نجد لأحداثه أشباها واضحة للغاية في بعض الأعمال السابقة عليه. فلا يحتاج المرء لأن يكون وسيطا روحانيا لكي يدرك ما يدين به ميدنايت سبشيال لأفلام مثل ستارمان وكلوز إنكاونترز أوف ذي ثيرد كيند (لقاءات قريبة من النوع الثالث) وإي تي ذي إكسترا ترستيال أو (إي تي ساكن الفضاء الخارجي). كما أنه من العسير على المشاهد ألا يتمتم ساخرا وهو يرى خبيرا معلوماتيا حكوميا أخرق على نحو يثير العجب (يجسد شخصيته الممثل آدم درايفر) وهو يحدق في لوح كتابة (سبورة) تغطيه أرقام وردت في عظات الداعية كالفين، ليهتف بعدها قائلا إن هذه الأرقام .. متناسقة مع بعضها البعض!. حسناً – هكذا يقول المرء لنفسه - بطبيعة الحال هي كذلك على الدوام منسقة ومتناسقة. ومنذ تلك اللحظة، يصبح كل ما يميز ميدنايت سبشيال عن سواه من الأفلام المكافئة له ذات الإنتاج الضخم لمخرجين مثل ستيفن سبيلبيرغ أو جون كاربنتر، كون هذا العمل يصر من خلال أحداثه على أنه مفعم بالشؤم وعميق المحتوى. وبالفعل يمكن أن يشعر المشاهد في بعض أوقات الفيلم أن ذلك متحقق بالفعل. فأجواء الخوف والرعب الليلي التي تسود العمل طاغيةً بقدر يجعلك تتغاضى عن العديد من الثغرات التي تشوب حبكته والسيناريو الخاص به. كما أن التجلي المفاجئ لقدرات الطفل ألتون يثير الخوف والقشعريرة، على الرغم من أن المشاهد التي صوّرت ذلك وأُعدت بواسطة الكمبيوتر، لم تكن على المستوى المطلوب. بالإضافة إلى ذلك، جاء الأداء التمثيلي متميزا بدوره، بفضل الجهد المكثف الذي بُذل إجمالاً، ليس فقط من شانون وأدغرتون، وإنما كذلك من الممثلة كريستن دانست، التي تلعب دور عضو سابق في تلك الطائفة الدينية الغريبة، يقابله خاطفا الطفل خلال رحلة هروبهما. ولكن في أوقات أخرى، تتراجع القيمة الفنية لذاك الفيلم الرائع، في ضوء أن أجواء الفخامة والمهابة التي يتسم به من حيث الشكل والصورة غير مدعومة بشكل كافٍ من قبل قصته وحبكته. وهكذا فبين الرموز ذات الطابع المسيحي التي نشاهدها في الفيلم والأجواء الموحشة التي تسوده، يراود المرء إحساسٌ بأن المخرج نيكولز ربما شاهد أفلام إي تي وستارمان ولقاءات قريبة من النوع الثالث، ثم قال في نفسه ألن يكون رائعا إذا ما جرى إنتاج نسخة محدثة مهيبة من أفلام الأبطال الخارقين ذات طابع الخيال العلمي التي أُنتجت بالفعل في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين؟. ولكن ما لم يدركه نيكولز هو أننا شاهدنا هذا النوع من الأفلام لسنوات طويلة، منذ فيلم أن بريكابل (غير قابل للكسر) الذي أخرجه إم نايت شيامالان ولوبر (صانع الحلقة) من إخراج ريان جونسون وحتى ساوند أوف ماي فويس (رنين صوتي) ومان أوف ستييل (رجل من فولاذ)، وهي كلها أعمال رأينا أصداء لأحداثها في ميدنايت سبشيال. فالأمر لا يتمثل فقط في أن نيكولز وصل متأخرا إلى حفل الأبطال الخارقين، بل إن الحفل الذي دلف إليه كان يتعامل مع هؤلاء الأبطال بجدية بالغة كذلك. ولذا فمن الممكن للمرء أن يفتتن بالعديد من المشاهد المقربة للغاية التي تظهر ممثلين، مثل دانست وشانون، وهم يبرعون في تصوير الانفعالات وتجسيد المعاناة على وجوههم، فقط ليتذكر على الفور أنه سبق له وأن شاهد كل ذلك من قبل. يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Culture.

مشاركة :