الفكر السياسي الأميركي ينطلق من مفهوم المصلحة والمنطق النفعي، وهي قواعد سنّها الفكر السياسي الأوروبي وملابسات السياسة العالمية الخارجية ولازمت التاريخي السياسي الأميركي، وانتقلت معه من جيل إلى آخر، من أجل السيادة العالمية، وضمان التفوق.. تتبادل القوة الصلبة (الخشنة) والناعمة والذكية، الأدوار السياسية والاستراتيجية في السياسة الخارجية الأميركية فقد أصبحت الإطار الذي يحكم السياسة الخارجية الأميركية وسقف التصور والمبدأ السياسي لكل سياسي أميركي من العصور السالفة وإلى اليوم والذي على ضوئه تتحدد اتجاهات السياسة الخارجية الأميركية. أميركا التي يعرفها العالم اليوم هي أميركا التي قال عنها الرئيس إبراهام لينكولن: يجب أن نؤمن بأن الحق فوق القوة وبهذا الإيمان علينا أن نؤدي واجبنا إلى الأبد، وهي أميركا نفسها التي قال عنها الرئيس جون كندي: إننا نملك القوة لجعل هذا الجيل البشري أفضل الأجيال في العالم أو آخر الأجيال. فاتجاه السياسة الخارجية الأميركية يختلف باختلاف المصالح الأميركية، فكلما اختلفت المصالح تغيرت السياسة الخارجية.. ولذلك يسعى السياسيون الأميركيون إلى تثبيت أشكال القوة في علاقاتهم الدولية وتوظيفها متى شاؤوا، وفي أي زمان ومكان، وعبر سياقات متعددة، لتحقيق مقاصد سياسية واقتصادية واستراتيجية. فالتفكير السياسي الأميركي، يقوم على أساس المصلحة والمنفعة، وهو تفكير أصّلته النزعة المادية، وإن كانت هذه النظرة لا تنطبق على المجتمع الأميركي الذي يقف ضد مبدأ السيطرة والهيمنة، ولا يعترف بالحواجز السياسية والفكرية بين المجتمعات الإنسانية.. فللشعب الأميركي مزايا ومبادئ وخصائص وقيم لا يحيط بها إلا من عايشه أو اختلط به.. إلا أن الفكر السياسي الأميركي ينطلق من مفهوم المصلحة والمنطق النفعي، وهي قواعد سنها الفكر السياسي الأوروبي وملابسات السياسة العالمية الخارجية ولازمت التاريخي السياسي الأميركي، وانتقلت معه من جيل إلى آخر، من أجل السيادة العالمية، وضمان التفوق، وذلك من خلال تفعيل أنماط القوة في السياسة الخارجية الأميركية ما بين القوة الخشنة، والقوة الناعمة، والقوة ذكية. فالقوة الخشنة (الصلبة) تقوم على مبدأ القوة العسكرية سواء من خلال استعراض القوة أو التلويح بها أو التهديد باستخدامها، أو باستخدامها أو بشن حرب وقائية أو كبح ظهور أي منافس محتمل أو ثني أي خصم عن بناء قوة عسكرية تضاهي القوة الأميركية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، والحصار السياسي والاقتصادي وفرض العزلة الإقليمية والدولية، وقد استخدمت الولايات المتحدة الأميركية القوة الخشنة (الصلبة) ضد أفغانستان والعراق وليبيا وكوسوفا وبنما وذلك عندما قبضت على حاكم بنما القوي مانويل نوريغا وجاءت به مخفوراً في قفص إلى ميامي بتهمة تهريب المخدرات إلى الأراضي الأميركية وقضى بقية حياته في السجون. ومع الصين عندما اعترضت الصين على اختراق الطائرات الأميركية مجالها الجوي، قال حينها الرئيس الأميركي جورج بوش (الابن) إن لأميركا مصالح استراتيجية تستدعي مراقبة كل ما يحدث في العالم، بما في ذلك الصين، ويمثل تصريح الرئيس بوش نموذج التفكير الاستراتيجي المبني على القوة الصلبة، قائلاً: لا نتصور أن هنالك أي قوة في العالم تمنع الطائرات الأميركية من التحليق فوق الأجواء الدولية. أما القوة الناعمة فتقوم على العلاقات الدبلوماسية والمبعوثين الخاصين والعلاقات الثنائية والعلاقات شبه الدبلوماسية والعلاقات التجارية والمساعدات المالية، والمشاركة في حل الأزمات وتبادل وجهات النظر والمنح الدراسية، والتدريب والسياحة والتبادل الأكاديمي، وعقد المؤتمرات والسمنارات والعلاقات الثقافية والرسائل الدبلوماسية، وجمعيات الصداقة والتواصل الاستراتيجي، والتحالفات والشراكات وقضايا المناخ. أما القوة الذكية، فتقوم على تبادل الأدوار ما بين القوة الصلبة والقوة الناعمة، فإن لم تحقق القوة الناعمة الهدف السياسي أو الإستراتيجي تلجأ إلى التهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعليا بصورة محدودة. ومن أمثلة استخدام القوة الذكية تعامل أميركا مع ملف الإرهاب العالمي والملف الإيراني. إلا أنه بعد ما حدث إخفاقات أميركية في العديد من الملفات الخارجية في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج ووكر بوش(الابن)، كما يقول الدكتور جمال السويدي وخاصـة في حربي أفغانستان والعراق، دعـا بعـض الباحثين الأميركيين، إلى ضرورة النظر في استخدام القوة الناعمة Soft Power بديلاً عن الخشنة أو الصلبة Hard Power، وهو مصطلح في العلوم السياسية استخدمه للمرة الأولى في منتصف عام 1990 جوزيف صموئيل ناي Joseph Samuel Nye مساعد وزير الدفاع الأميركي في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، وطـرح نـاي المفهوم في كتابه الشهير (قفزة نحو القيادة الطبيعة المتغيرة للقـوة الأميركية) حين حدد مفهوم القوة الناعمة، في كونها القدرة على الاستقطاب والإقناع؛ معتبراً أن القوة الخشنة تكمن في القدرة على الإجبـار والإكراه، المتأتية من القوة العسكرية، أو مـن التـفـوق الاقتصادي، في حين أن القوة الناعمة تتأتى من جاذبية الدولة الثقافيـة أو السياسية أو الإعلامية أوالتعليمية، أو ما سواهـا كإحدى أدوات تحقيق المصالح الأميركية إلى جانب القوة العسكرية عند الحاجة إليها. وفي بدايـة عـهـد الرئيس الأميركي السابق بــاراك أوبامـا تجدد الحديث عـن ضـرورة التخلي عـن القوة الخشنة في السياسة الأميركية واستخدام القوة الناعمة بديلاً عنها. حيـث أشـار جـوزيـف نـاي إلى أن الولايات المتحدة الأميركية إن أرادت أن تبقى قوية، فعلى الأميركيين أن ينتبهوا إلى قوتهم الناعمة، واعتبر ناي أنه إذا كان من الممكن الوصول إلى الأهداف عبر القوة الخشنة، من خلال استعمال هذا النمط من القوة فقط، فإن ذلـك قـد يشكل خطراً على أهداف القوة العظمى وطموحاتها الاقتصادية والسياسية. وبناء على ذلك، فإن ناي يرى أنه لم يحدث منذ روما أن أمة امتلكت مثل هذه القوة الاقتصادية والثقافية والعسكرية التي تمتلكها الولايات المتحدة الأميركية حاليا.. لكن هذه القوة لا تتيح لها أن تحل مشكلاتها، أو أن تتعامل بنجاح مع تحديات عالمية، كالإرهاب والتدهور البيئي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والأزمات المالية، وما سواها.. ولذا يمكن إعادة فهم مقولة ناي بشأن القوة الناعمة التي اعتبرها أفضل بكثير في التعامل مع التحديات العالمية. وفي مجمل الأحوال فإن النهج الاستراتيجي الأميركي قد تغير بشكل ملحوظ عقب انتهاء ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج ووكر بوش (الابن) وتولي الرئيس أوباما، حيث أكد الرئيس أوباما خلال إعلانه نهاية عملية الحرب على العراق في 31 أغسطس 2010 مسؤولية الولايات المتحدة الأميركية الخاصة اتجاه قيادة العالم، لكنه قال إن درسًا من أهم الدروس المستفادة من هذه الحرب هو أن التأثير الأميركي في جميع أنحاء العالم ليس وظيفة القوات المسلحة وحدها، ولكنه وظيفة الدبلوماسية، والقوة الاقتصادية، وقوة النموذج الأميركي أيضا. ويتباين ذلك النهج تبايناً حاداً مع نهج الإدارة الأميركية السابقة، وما سمي عقيدة مبدأ بوش الابن وهو الذي سيرتبط دوما بمسألة الحرب على العراق، حيث كشفت السياسات الأميركية خلال فترة الولاية الثانية للرئيس الأميركي السابق جورج ووكر بوش (الابن) عن أخطاء استراتيجية ارتكبت في العراق، مما أثر على مكانة الولايات المتحدة الأميركية في العالم، فقد كان موقف المحافظين الجدد كارثياً على السياسة الأميركية وعلى هذه الخلفية، كان من البدهي حدوث تحولات جديدة في التوجهات الاستراتيجية الأميركية مع بداية ولاية الرئيس أوباما، تقوم على توازن القوة المدنية الأميركية بشكل أفضل مع القوة العسكرية. وفي ضوء ما سبق، يتضح أن الخطاب السياسي الأميركي عقب حربي أفغانستان والعراق ووصول الرئيس الديمقراطي أوباما إلى الحكم في يناير 2009، قد ابتعد بشكل ملحوظ عن (الأحادية) وما يجري الآن في السياسة الخارجية الأميركية هو امتداد لمرحلة أوباما.
مشاركة :