حين يكتب الشاعر مقالاً نثرياً لا يتخلى عن لغته الشعرية الجميلة، وهذا ما نجده في كتاب «بقلمي» للشاعرة شيخة محمد الجابري، من إصدارات «نبطي للنشر». والكتاب يضم نحو 60 مقالة تتناول فيها مواضيع متنوعة من تجربتها الأدبية وتأملاتها الفكرية في مجالات الحياة على اختلاف مساراتها وألوانها من البيئة الطبيعية وأجوائها المناخية إلى الأحوال الإنسانية والنفسية والاجتماعية من علم وحب وعمل وتفاعل مع الأهل والناس ومراحل الحياة.. إلى ما فيها من مواسم فرح ونشاط وإنتاج. ودقة التنسيق وجماله في الكتابة يزيدان في متعة القراءة، حيث إن المقالة لا تزيد عن صفحتين، وفي هذا التصميم الفني ما يريح النظر والفكر معاً ويذكرنا بالمقولة التراثية «ما قل ودل»، وهذه سمة دلالية وجمالية يتقنها كبار الشعراء في كتاباتهم السردية. والمقالة الأولى بعنوان «بريد عابر»، وهي تستحضر أهمية المراسلة بين الأهل والأصدقاء والأحباب، كما تذكرنا بجمال التواصل وفرحة استلام الرسالة في الماضي البعيد والقريب، وتقول فيها: «كانت الرسائل دافئة، تفتح نوافذ الدهشة، ترسم ابتسامة فرح، تستفز دمعة اشتياق، رائحته زكية وملهمة وحالمة، رائحتها مزيج من حبر وعطر وأصباغ ارتحالات، على أطرافها ينثر العشاق شيئاً من عطورهم ويبثون لواعج قلوبهم». وتضيف موضحة أن «الرسائل كانت تحمل قوانينها الخاصة، بدءاً من الاستهلال وحتى الخاتمة». وتشير إلى الصندوق الأسود المعلق على الجدار وهو في حالة انتظار، كما تبين اختلاف المظاريف وأشكال الطوابع وألوانها. ويشعر القارئ في انتقاله من مقالة إلى أخرى وكأنه يجول في بستان حافل بأنواع الأشجار وألوان الأزهار العطرية. وذلك كله مسرود بلغة شعرية عذبة وصور فنية وجمالية ممتعة بقدر ما هي مفيدة تطلق الخيال وتحمله إلى عالم من الفرح والتفاؤل والاكتشاف. ولا تنسى الشاعرة شيخة الجابري أن تتناول «حديث النفس وشجو الروح» حيث «تختزل الكلمات الكثير مما نحمل من متاعب وقلق وأوجاع». وتتنقل بين الفصول مركزة على الشتاء وما يثير من الحنان في نفوس الشعراء، وتشيد بعذوبة الصوت وزقزقة العصافير في الصباح، وتصور أحوال الأطفال والكبار، وكيف نتغير مع الزمن و«عندما نكبر نصير أكثر حكمة وعمقاً وصدقاً مع أنفسنا»، وتتساءل بلهفة الوفاء: «هل يعود أحبتنا الراحلون، أياً كان شكل الرحيل المر؟ وتؤكد أننا مسكونون بمن نحب، كل الذين يعبرون الحياة، ويقيمون في الروح». وهناك مقالات وجدانية ساحرة في رقتها الدافئة الحميمة ونتعلم منها الكثير، منها على سبيل المثال لا الحصر: لحظات آسرة، نحو فضاء المحبة، البرد لا يرحم الفقراء، مشاهدات من الحياة، وحيداً على المائدة، للكلمات مسارات، الراقصون على الألم، بيوتنا القديمة حكايات حب، للأمها تغزل الكلمات، عطايا الورق، النار والرماد، ظل الشمس، أغنيات قديمة ذاكرة متقدة، حديث قلب، حمرا القيظ، بالحب تزهر الحياة، ويهطل المطر.. وإلى آخر الكتاب «ورشة أمل».
مشاركة :