قل ولا تقل

  • 2/27/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا يعرف الجيل العربي الراهن تلك العبارة بصيغة الأمر والتي كانت عنوان برنامج إذاعي يبث من لندن للراحل حسن الكرمي ولعدة عقود. برنامج الكرمي كان لغوياً ونحوياً ولا صلة له بالسياسة، لكن ما حدث في العالم العربي بعد توقف ذلك البرنامج ورحيل صاحبه غيّر كثيراً من العناوين والأحوال والموضوعات، ومن يردد عبارة قل ولا تقل اليوم ليس عالم لغة أو فقيه بشعابها، إنه الاختراع الذي يستحق أصحابه براءة بالفعل على براعتهم، وهو كلام سياسي بامتياز وإعلامي أيضاً، يتلخص على النحو التالي. قل ما تشاء عن الفساد الذي تمأسس وتفشى وبائياً لكن لا تقل شيئاً عن الفاسدين، وكأن الفساد لقيط وبلا حسب ونسب. وقل ما تشاء عن التخلف والجهل لكن لا تقل شيئاً عن أسبابهما خشية أن يغضب منك رعاة الأمية والحريصون على مضاعفة نسبتها. وقل ما تريد عن الفقر والجوع وارسم لهما خرائط وتضاريس، لكن لا تقل شيئاً عن الأسباب التي أنتجت الشقاء الصادر عنهما. وقل ما يخطر ببالك عن الديمقراطية شرط أن تبقى أيقونة أو حجراً كريماً لا علاقة له بواقع الحال. وبإمكانك أن تسرد قائمة لا آخر لها عن فضائل الحرية، لكن حذار الاقتراب ممن يعانون غيابها. هكذا أصبح لدى المثقف العربي وصفة نموذجية، تتيح له أن يقول كل شيء كي لا يقول شيئاً على الإطلاق، وقد ساهمت الميديا في مجالها الفضائي الذي توقع المتفائلون أن يكون خارج جاذبية الواقع وارتهاناته في تعميم هذه الوصفة بالمجان، لهذا قد نستمع إلى خبير افتراضي ساعة وهو يتحدث عن أزمة عربية خانقة لنجد أنه كما كان أجدادنا يقولون.. سمى اللبن يوغرت أو فسر الماء بعد الجهد بالماء. نعرف أن لغتنا العربية امبراطورية مترامية الأطراف وفيها من المجازات والمترادفات ما يتيح لمن يريد التلاعب بها أن يقول ولا يقول. رحم الله صاحب ذلك البرنامج الذي دافع عن سلامة الأبجدية خارج ديارها فمتى يرحم الله من حولوا خطاباً إعلامياً إلى صمت ثرثار وبالألوان؟

مشاركة :