قُل ولا تقل

  • 7/20/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تحت هذا العنوان، قدم الراحل، حسن الكرمي، برنامجاً إذاعياً في لندن لعدة عقود، وكان برنامجه مقتصراً على النحو، والهدف منه تقويم اللسان العربي، وإعادة الاعتبار للفصحى التي تعرضت للهجران. لكن عنوان حسن الكرمي يصلح أيضاً للسياسة، شرط أن يتولى تقديم البرنامج أحد الفقهاء في السياسة، بوصفها فن الممكن، بحيث يُحول المفعول به إلى فاعل، والمجرور إلى مرفوع، والمبتدأ إلى خبر! ففي أيامنا بلغ خلط الأوراق حداً بدأ يهدد جدول الضرب والسلم الموسيقي وحروف الأبجدية، وكل البديهيات التي تصورنا ذات يوم أنها القاسم المشترك بين العقول، وأنتجت هذه الثقافة، بل هذا الفقه السياسي الجديد، أقلاماً تقول ولا تقول، فهي مع الله والقيصر في اللحظة ذاتها، ومع الضحية والجلاد، ومع الديكتاتورية والنظم الشمولية والديمقراطية. فكيف اهتدى هؤلاء إلى مثل هذه البلاغة التي تحذف الفروق بين الأضداد؟ وكيف أصبحوا رجالاً ونساء لكل العصور؟ فإذا كان حلمهم بامتلاك الدنيا والآخرة، واسترخاء الملائكة والشياطين، فإن هذا الرهان سيخيب حتماً، لأن من سبقوهم إليه فقدوا المشيتين كالغراب، فلم يتقنوا الهديل وخسروا النعيق! قل ولا تقل: عندما يصبح عنواناً سياسياً، فإن له نحواً آخر لا علاقة لسيبويه أو أي نحوي آخر به، لأنه من صناعة برغمانوس الذي تُنسب إليه البرغماتية، ونموذجه ميكافيلي الذي جعل الغايات تبرر الوسائل، حتى لو كانت دموية، وتنتهك مصائر ملايين البشر. في برنامج الراحل الكرمي، كان الدفاع عن سلامة اللغة هو الهدف، لأنه لم يكن سياسياً على الإطلاق، لكن حين يتولى مثل هذا البرنامج السحرة والحواة، ومن يدخلون المناديل في أكمام معاطفهم، فتصبح أرانب أو سلاحف، فذلك شيء آخر. نعرف أن لغتنا العربية إمبراطورية من المجازات والمترادفات، لكنها لا تتيح التلاعب بالعقول إلى هذا الحد، بحيث يقول محترفو التبرير والتزوير كل شيء، كي لا يقولوا شيئاً محدداً. ويهمسون لأنفسهم بأن الأرض كروية وتدور، لكنهم يقولون بأعلى صوت إنها شبه منحرف وواقفة. خيري منصور

مشاركة :