شعائر الحج بين زعم وطعن أهل الوهم والإلحاد وفهم ويقين أهل العلم والإيمان - التلغراف

  • 6/27/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

سأل سائل … – ما الفائدة من الدوران حول الكعبة …؟ – فكانت الإجابة – قال صاحبي … وهو يبتسم ابتسامة خبيثة: ألا تلاحظ معي أن مناسك الحج عندكم هي وثنية صريحة …؟ – ذلك البناء الحجري الذي تسمونه “الكعبة” وتتمسّحون به وتطوفون حوله … – ورجْم الشيطان … – والهرولة بين “الصفا والمروة” … – وتقبيل “الحجر الأسود” … – وحكاية السبع طوفات، والسبع رجمات، والسبع هرولات، وهي بقايا من خرافة الأرقام الطلسمية في الشعوذات القديمة … – و”ثوب الإحرام” الذي تلبسونه على اللحم … – لا تؤاخذني إذا كنت أجرحك بهذه الصراحة، ولكن لا حياء في العلم … – قلت في هدوء: ألا تلاحظ معي أنت أيضا أن في قوانين المادة التي درستَها: أن الأصغر يطوف حول الأكبر …؟ – الإلكترون في الذرّة يدور حول النواة … – والقمر يدور حول الأرض … – والأرض تدور حول الشمس … – والشمس تدور حول المجرّة … – والمجرّة تدور حول مجرّة أكبر … إلى أن نصل إلى الأكبر مطلقا : وهو (الله) … – ألا نقول : الله أكبر؟ – أي أكبر من كل شيء … – وأنت الآن تطوف حوله ضمن مجموعتك الشمسية رغم أنفك، ولا تملك إلا أن تطوف، فلا شيء ثابت في الكون إلا الله، هو الصّمد الصامد، الساكن والكل في حركة حوله … – هذا هو قانون الأصغر والأكبر الذي تعلمتَه في الفيزياء … – لكننا نحن المسلمين نطوف باختيارنا حول بيت الله، وهو أول بيت اتخذه الإنسان لعبادة الله، فأصبح من ذلك التاريخ السحيق رمزًا وبيتًا لله. – ألا تطوفون أنتم حول رجل محنّط في “الكرملين” تعظمونه، وتقولون : إنه أفاد البشرية …؟ – ولو عرفتم ل “شكسبير” قبرًا، لتسابقتم إلى زيارته بأكثر مما نتسابق نحن إلى زيارة النبي “محمد” عليه الصلاة والسلام … – ألا تضعون باقة ورد على نُصب حجري، وتقولون: إنه يرمز للجندي المجهول …؟ – فلماذا تلوموننا، لأننا نُلقي حجرًا على نُصب رمزي نقول : إنه يرمز إلى الشيطان …؟ – ألا تعيش في هرولة: من ميلادك، إلى موتك، ثم بعد موتك يبدأ ابنك الهرولة من جديد … وهي نفس الرحلة الرمزية من “الصفا” الصفاء، أو الخواء، أو الفراغ رمز للعدم، إلى “المروة” وهي النبع الذي يرمز إلى الحياة والوجود من العدم إلى الوجود، ثم من الوجود إلى العدم …؟ – أليست هذه هي “الحركة البندولية”(١) لكل المخلوقات …؟ – ألا ترى في مناسك الحج تلخيصًا رمزيًا عميقًا لكل هذه الأسرار …؟ – أما عن رقم (7 ) الذي تَسْخر منه، فدعني أسألك: – ما السر في أن درجات السلم الموسيقي (7): صول/ لا/ سي/ دو/ ري/ مي/ فا . ثم بعد المقام السابع يأتي جواب الصول من جديد، فلا نجد (😎 وإنما نعود إلى سبع درجات أخرى، وهلم جرا…؟ – وكذلك درجات الطيف الضوئي (7)؟ – وكذلك تدور الإلكترونات حول نواة الذرّة في نطاقات (7)؟ – والجنين لا يكتمل إلا في الشهر (7) وإذا ولد قبل ذلك يموت؟ – وأيام الأسبوع (7)؟ – ألا يدل ذلك على شيء …؟ – أم أن كل هذه العلوم هي الأخرى شعوذات طلسمية …؟ – ألا تُقَبِّل خطابًا من حبيبتِك … هل أنت وثني؟ – فلماذا تلومنا، إذا قَبَّلْنا ذلك “الحجر الأسود” الذي حمله نبينا “محمد” عليه الصلاة والسلام في ثوبه وقَبَّلَه؟ – لا وثنية في ذلك بالمرة … لأننا لا نتجه بمناسك العبادة نحو الحجارة ذاتها … وإنما نحن نتجه بمناسك العبادة نحو المعاني العميقة، والرموز والدلالات، والذكريات … – إن مناسك الحج هي عدة مناسبات لتحريك الفكر، وبَعْث المشاعر، وإثارة التقوى في القلب، وتطهير النفس … – أما “ثوب الإحرام” الذي نَلْبَسه على اللحم، ونشترط ألا يكون مخيطًا … فهو رمز للخروج من زينة الدنيا … وهو رمز للتجرد التام أمام حضرة الخالق تمامًا، كما نأتي إلى الدنيا في (لَفَّة) ونخرج من الدنيا في لفة، وندخل القبر في لفة … – ألا تشترطون أنتم لُبْس البِدَل الرسمية لمقابلة الملك …؟ – ونحن نقول: إنه لا شيء يليق بجلال الله إلا التجرد، وخَلْع جميع الزينة؛ لأنه أعظم من جميع الملوك.. بل هو مَلِكُ الملوك … ولأنه لا يصلح في الوقوف أمام الله إلا التواضع التام والتجرد.. ولأن هذا الثوب البسيط الذي يلبسه الغني والفقير، والمهراجا، والمليونير أمام الله فيه معنى آخر للأُخوة الإنسانية، وهو المساواة بينهم جميعًا في الأصل رغم تفاوت المراتب والثروات، والأجناس، واللغات، والألوان … – إن الحج عندنا اجتماع ومؤتمر سنوي عالمي لإقامة ركن معظَّم من أركان دين الإسلام السمح المقدس، ومثله صلاة الجمعة، فهي المؤتمر الصغير الذي نلتقي فيه كل أسبوع … – وتلك كلها معانٍ جميلة لمن يفكر ويتأمل، ويتعلم ويتيقن، وهي في معانيها، ومساعيها، وغاياتها أسمى وأبعد ما تكون عن الوثنية … – ولو وقفت معي في “عَرَفة” بين تلك الملايين من كل الأجناس، مع اختلاف اللغات، والألوان: يقولون جميعًا: (الله أكبر) … ويتلون جميعًا القرآن الكريم بأكثر من عشرين لغة … ويهتفون جميعًا: (لبيك اللهم لبيك) … ويبكون جميعًا تضرعًا وخوفًا … ويذوبون جميعًا شوقًا وحُبًّا … لو وقفتَ معي في “عرفة” بين أولئك الملايين، من كل الأجناس، وكل الألوان … لوجدتَ نفسك أنت كذلك تبكي دون أن تدري … ولوجدتَ نفسك تذوب في الجمع الغفير من الخلق والبشر من كل جنس ولون … ولأحسستَ بذلك الإحساس من اليقين بعظمة شعائر الحج من الدين الإسلامي الحنيف الذي يمنح الإنسان السلام مع كل الناس، والتسليم والخشوع أمام الإله العظيم، خالق الناس أجمعين، رب الكون وكل العالمين … (لبيك اللهم لبيك) (لبيك لا شريك لك لبيك) (إن الحمد والنعمة لك والملك) (لا شريك لك لبيك). ———————————————— (*) كتبتُ هذا المقال (بتصرُّف) من وحي قراءتي كتاب : حوار مع صديقي الملحد للمرحوم الدكتور/ مصطفي محمود (١) البندول أو الرقاص – pendulum: هو جسم يتأرجح جِيئةً وذهابًا، حول نقطة معينة ثابتة، إذا شُدَّ إلى جانب، ثم تُرِك حُرًّا. وتعمل الجاذبية على تأرجحه بمعدل منتظم بفضل قوة الجاذبية، تلك القوة الخفية الغامضة التي تعد من بين أشياء أخرى تبقى عالقة في الكون …

مشاركة :