تم تبديد الدعم من خلال دخول المنتجين الأقل كفاءة وزيادة عددهم، ما أوجد طاقة زائدة وأدى إلى زيادة تشتت الصناعة. وكانت القروض سياسية بمعنى أن الشركات المملوكة للدولة تلقت معظم الدعم بدلا من منتجي القطاع الخاص الأكثر كفاءة. ولم تنشأ عن صناعة بناء السفن تداعيات كبيرة على بقية الاقتصاد، ولم يكن هناك أي دليل على التعلم بالممارسة على مستوى الصناعة. وللحديث عن التضحية بالمكاسب التجارية فبالمثل فإن التحول إلى القيود التجارية ينطوي على خطر التضحية ببعض المكاسب التي حققتها الاقتصادات النامية من المشاركة في الأسواق العالمية. فقد حقق عديد من البلدان تقدما اقتصاديا في العقود الأخيرة من خلال الانخراط مع الاقتصاد العالمي بدلا من إغلاق الأسواق على أمل تحفيز الابتكار المحلي. ولم تصبح الصين غنية من خلال السياسة الصناعية، بل عن طريق تحسين الإنتاجية في قطاع الزراعة، والسماح بالاستثمار الأجنبي في قطاع الصناعة التحويلية، وإطلاق إمكانات القطاع الخاص. كذلك أجرت الهند إصلاحات في 1991 لإلغاء نظام "ترخيص راج" والروتين الإداري الذي كبل المؤسسات الخاصة، ويستمر فتح الاقتصاد في دفع النمو رغم الحاجة إلى مزيد من الإصلاحات. كذلك جنت بنجلادش ثمار الانفتاح على الاستثمار الأجنبي، الذي يجلب رأس المال والتكنولوجيا، لدرجة أن نصيب الفرد من الدخل في بنجلادش يفوق الآن نظيره في الهند. وما حققته بلدان أخرى أيضا، من إثيوبيا إلى فيتنام، نتيجة المشاركة الاقتصادية يفوق ما حققته نتيجة العزلة الاقتصادية، لأنها تستفيد من التكنولوجيا والاستثمار من بقية العالم. ورغم أن الاستخفاف بالسياسات الاقتصادية الليبرالية الجديدة التي يطلق عليها "توافق آراء واشنطن" أصبح هو النمط السائد الآن، فإن الانفتاح في فترة الإصلاح تلك شهد تقاربا ـ وليس التباعد الذي كان هو المعيار التاريخي ـ بين البلدان الغنية والفقيرة حول العالم. وبدءا من عام 1990 تقريبا، بدأت الاقتصادات النامية في النمو بسرعة أكبر واللحاق بمستويات الدخل الأعلى التي تحظى بها الاقتصادات المتقدمة Patel، Sandefur، and Subramanian 2021. والجدل الذي دار أخيرا حول ما إذا كانت العولمة قد ماتت أم لا هو جدل عقيم. فالعولمة لم تمت ولكنها تتغير. وسيكون من غير الحكمة أن تدير الاقتصادات النامية ظهورها للاقتصاد العالمي وأن تتخلى عن فكرة دعم الصادرات والحصول على التكنولوجيا من خارج حدودها. ولا يزال يمكنها أن تكسب كثيرا من بقية العالم وأن تخسر كثيرا بالعودة إلى سياسات الأبواب المغلقة التي كانت متبعة في الماضي.
مشاركة :