دعا الممثل الجديد لصندوق النقد الدولي في تونس روبرت بلوتيفوغل، السلطات التونسية التي تفاوض من أجل الحصول على خط ائتمان جديد من الصندوق، إلى إعادة النظر في نموذجها التنموي حتى تحقق نمواً اقتصادياً أقوى وتوفر فرص عمل. ولم تتجاوز نسبة النمو في 2015 في تونس 0.8 في المئة. وساهم في جمود الاقتصاد سلسلة اعتداءات دموية استهدفت مواقع عدة في البلد. وقال بلوتيفوغل في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»: «المؤشرات الأولى لدينا لا تنبئ بحصول انتعاش كبير» في قطاع السياحة الذي يشكل أحد أعمدة الاقتصاد التونسي. ويذكر أن إيرادات السياحة تراجعت بشدة نتيجة عدم الاستقرار الذي شهده البلد بعد الثورة، وإثر مقتل 59 سائحاً أجنبياً في هجومين استهدفا في 2015 متحفاً في العاصمة وفندقاً في سوسة وتبناهما تنظيم «داعش». وتابع المسؤول الدولي: «الوضع صعب»، مرجحاً أيضاً انخفاض صادرات زيت الزيتون هذه السنة، بعدما كانت بلغت مستويات قياسية العام الماضي، وأصبحت تونس المصدّر العالمي الأول للزيتون. ووفرت صادرات زيت الزيتون لتونس في 2015 إيرادات بقيمة 919 مليون يورو، ما مكّن الاقتصاد من «تجنب الأسوأ»، وفقاً لوزير المال سليم شاكر. وأشار بلوتيفوغل إلى أن العام الحالي «سيكون مثابة عام تحقيق استقرار» اقتصادي، وأن نسبة النمو الاقتصادي المتوقعة «لا تستجيب لتطلعات الشعب التونسي، وليست قوية بما يكفي لإحداث فرص عمل للحد من البطالة». إزاء هذا الواقع، دعا مسؤول صندوق النقد السلطات التونسية إلى تغيير سياستها المالية الحالية. وقال: «نواجه مشكلة في تركيبة موازنة الدولة. في الواقع، تم التحكم في العجز الإجمالي للموازنة، وهذا شيء جيد، لكن تركيبة النفقات تدهورت وعرفت كتلة الرواتب زيادة مهمة». وأوضح أن تونس أصبحت تخصص اعتمادات مالية كبيرة في موازنتها لرواتب موظفي القطاع العام، معتبراً ذلك أمراً «غير مؤاتٍ للاستثمار والنمو». وفي أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلنت المديرة العامة للصندوق كريستين لاغارد خلال زيارة إلى تونس، أن قيمة «فاتورة الأجور المتنامية في القطاع العام» تعادل نحو 13 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، معتبرة أنها «من أكبر فواتير الأجور في العالم». وقال بلوتيفوغل: «يجب عكس هذا الاتجاه وتوجيه النفقات نحو الاستثمارات العامة التي تلعب دوراً مهماً جداً في استئناف النمو والحد من التفاوت المناطقي». وتابع: «كي يشمل النمو الأكثر ضعفاً والمناطق المحرومة، تجب فعلاً إعادة تشغيل الماكينة الاقتصادية لتونس». وتساءل: «كيف نفعل ذلك؟ هذا بالضبط ما نحن في صدد مناقشته مع الحكومة». وأضاف: «نحن متفقون على أنه لا يجب أن نستدين لمجرد الاستدانة»، داعياً إلى «وضع أسس نمو شامل وإعادة صوغ نموذج التنمية» في تونس حتى تتمكن البلاد من تحقيق نسب نمو «أقوى وأسرع» وتوفر فرص عمل للعاطلين من العمل. وطلبت تونس خطاً ائتمانياً جديداً من الصندوق لا تقل قيمته عن 1.7 بليون دولار، وفقاً لمحافظ المصرف المركزي شادلي العياري في أيلول الماضي. وقال بلوتيفوغل إن مفاوضات الصندوق مع الحكومة التونسية في شأن خط الائتمان الجديد «تتقدم بشكل جيد». وتابع: «نحن متفقون على الهدف من الإصلاحات الكبرى، وعلى تشخيص الاقتصاد ووضعه الراهن. هناك تناغم تام في وجهات النظر والآن المناقشات تتركز خصوصاً على روزنامة التنفيذ». وذكر أن برنامج المساعدة الجديد يمتد على أربع سنوات، وأن مجلس إدارة الصندوق سيتخذ قراراً في شأن هذا البرنامج في 22 نيسان (أبريل) المقبل. ولفت إلى أن برنامج المساعدات الأول «جرى في ظروف صعبة»، مشيراً إلى أنه ترافق مع «تباطؤ النمو» الاقتصادي في منطقة اليورو، الشريك الاقتصادي الأول لتونس، والأزمة في ليبيا المجاورة لتونس والغارقة في الفوضى. كما أشار إلى أن الانتقال الديموقراطي في تونس «استغرق وقتاً أكثر من المنتظر وترافق مع تظاهرات اجتماعية» وبروز المسألة الأمنية منذ «الهجمات الإرهابية في 2015». وأقر بأن تونس «أظهرت بعض المرونة»، إذ استطاعت «المحافظة على توازناتها المالية الكبرى وتمكنت الحكومة من تحقيق استقرار في الاقتصاد». كما حققت السلطات «تقدماًَ مهماً» في إصلاح قطاعات مثل المالية عبر «إعادة هيكلة المصارف الحكومية». لكنه أضاف: «هناك بعض التحديات ونقاط الضعف التي لا تزال قائمة».
مشاركة :