لطالما أخذ التمرد شكلاً من أشكال عدم الطاعة والحق في المعنى القانوني، ولكنه حق يأخذه البعض رغم مخاطره، ويعتبرونه نوعا من أنواع القوة، ليأخذ مظهراً سياسياً ضد الظلم والتعسف، فهناك معركة تدور رحاها منذ خمس سنوات لحركة تسمى «السترات الصفراء» في فرنسا وأعمال شغب متفاوتة أوقاتها ضد إصلاح الرواتب التقاعدية، فباريس تعاني فعلاً من مشكلة أكثر خطورة من الاضطرابات الراهنة، واليوم وسط باريس في الشانزليزيه يتنفس الناس الغاز المسيل للدموع وسط أعمال شغب تكتظ بها الشوارع منذ مقتل نائل، الشاب الجزائري الفرنسي، على يد شرطي في منطقة سكنية باريسية. في الوقت الذي تشهد فيه فرنسا أوقاتا عصيبة وتحبس أنفاسها مع انتشار الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد، التي انطلقت شرارتها من الضواحي التي غالبا ما تكون مهملة اجتماعيا بعد إطلاق الشرطة النار هذا الأسبوع على الشاب الجزائري، وهي بهذا تدعو إلى الأنظمة والقوانين والدساتير ومجموعة الصيغ المستخدمة، وتضفي على ما يحدث صفة استعلائية وخاصة بعد إصدار بيانٍ الشرطة التي تصف فيه المتظاهرين بـ»الهوام» و»الرعاع الهمجيين»، محذرة بأن البلاد غارقة في وسط حرب أهلية. من هنا، سيكون موقف الرأي العام صعبا بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وسيشعر بالقلق من أن حملة كهذه قد تشعل غضبا أكبر في الشوارع وتزيد من تشويه مكانة فرنسا الدولية، بضوضاء المطالبات الجماهيرية وتباين الأيديولوجيات في رؤيتها بحل المشاكل وضبط الظواهر، ففي أوروبا اليوم، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فقد لوحظ صعود أحزاب يمينية متطرفة بصبغات مختلفة، فهناك أحزاب قومية متعطشة لأمجاد الماضي، وغيرها من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي باتت تحظى بشعبية كبيرة. فهل تشهد أوروبا صعودا لتيار اليمين المتطرف؟ وتنتقل العدوى لباقي الدول، وخاصة بعدما حقق حزب ديمقراطيو السويد اليميني المتطرف مكاسب كبيرة في الانتخابات السويدية الأخيرة، حيث يرجح أن يصبح ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي، كما أنه يعد الآن أكبر الأحزاب اليمينية، وتكاثر هذه الأحزاب عادة ما ينمو في الأنظمة الضعيفة، ولا يستطيع أي أحد أن يلغي هذا التنافس أو الصراع، والصدام بين السكان والسلطة يخبر بأن الوضع خرج عن السيطرة، وقد يقود مستقبلاً لحرب أهلية. في أغلب الأحيان تكون لدى تلك الجماعات تحيزات دينية، إذ يعتبر أعضاؤها أنفسهم مدافعين عن الدين المسيحي، وفي الحقيقة أن جميع المحاولات تتكئ على بعض الملاحظات حول استمرار الاضطرابات بحيث لا يعرف فيه الإنسان كيف يعيش بمفهوم غامض ومبهم يفتقد للعدالة والمساواة، بعدما وجدوا أن السياسة غير مطابقة للأخلاق وتساهم في نشر مزيدا من الفوضى، مع ارتفاع أصوات الأحزاب المتطرفة الذين يستخدمون الدين ذريعة للحفاظ على القيم المسيحية وإثارة صراعات مع أديان أخرى كالإسلام واليهودية مثلا، فهل تدفع أوروبا ثمن عدم اندماج من هم من أصول أخرى من مواطنيها، وهل تأخرت بمعالجة هذا الجانب؟.
مشاركة :