رحيل امبرتو إيكو

  • 2/29/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

1227، زمن تحيا فيه المسيحية أشد فترات تاريخها قتامة، الأمر يتم فيه الصراع حول مذاهب دامية، حيث ثقل القرون، وماضيها الرازح، بمعتقداتها، وطقوسها، وتناقضاتها، وعزلتها الرهيبة، وذلك الصراع الذي ينتهي بالقتل الفادح، المعمد بالطقس الدموي. ثمة إشارات هناك، ونبوءات لمنجمين بنهاية الكون، والصراع في النص لا ينتهي بين البابا والإمبراطور البافاري، وسلطة الكنيسة الإلهية التي تتنازعها السلطتان. في هذا الجو، من الالتباس والغموض، يصل غوليالمو داباسكافيل، ومعه تلميذه أداسو إلى دير الرهبان في شمال إيطاليا ليواصل تحقيقه في العديد من جرائم القتل الغامضة، وحين يبدأ التحقيق ينكشف له عالم من الرعب لا ينتهي، وسلسلة من الأحجيات السرية كلما فض سر إحداها، وقع في متاهات من غير ما حد، بدءاً من صالة النقش والتذهيب، حتى المكتبة السرية بعمارتها التي تختزن الأسرار، وكتابها المسحور، المسمم، وبرج الكنيسة بظلاله. عالم من القرون مختزن بين جدران دير قديم، فالصراع حول كتاب الضحك لأرسطو، يقدمه المؤلف عبر سرد بوليسي أخاذ، يقوم على التشويق، واستنكاف الغامض. يعيد امبرتو إيكو للرواية التاريخية صدارتها، ويؤسس شكلاً جديداً للمتاهات.. اسم الوردة، تلك الرواية التي صدرت أوائل الثمانينات فنبهت العالم لموهبة السيميائي في كتابة الروايات، والموسوعي في العلاقات والإشارات ينظر لإيكو كواحد من مثقفي عصرنا الحديث ويمثل آخر الموسوعيين الكبار في الثقافة العالمية. لقد نبهت روايته اسم الوردة كتاب العالم، بحوادثها في القرن الثاني عشر إلى التاريخ كفضاء تتعاقب خلال فصوله حوادثه معتمدة على التأويل، والرموز، وذلك الغموض الذي يكتب من خلاله الروائي عالم نصه، والصراع حول الحقيقة. وعبر استخدام المفارقة، وتجسيد ذلك المناخ المعبق بضباب الجريمة، والرهبان بأحوالهم، ونمط عيشهم، والحيوات السرية، الملأى بالرموز والإشارات، والمسكوت عنها، وهم يقضون ساعاتهم في فضاء زمن يزخر بالحروب الصليبية، وحكايات البحث عن الكأس المقدسة، وأحجيات يوحنا المعمدان التي تشكل مادة الرواية، ورؤيتها الإبداعية. يرى البعض، أن سيد التأويل إمبرتو إيكو فى روايته، قدم التحية والإجلال لأستاذه بورخيس بأن جسده في شخصية أمين المكتبة الضرير ملاخي، حارسها، وحاميها. يرحل إيكو عن العالم وقد ترك للخيال الإنساني بابا على عالم من الإبداع وظف فيه الكثير من الثقافات،والتواريخ، والنصوص التي قرأها من كل موروثات العالم، حيث يتردد في الرواية صدى لأسماء ألف ليلة وليلة، وصور من الكتاب المقدس، ومن كتاب الضحك لأرسطو، وعلامات ومتاهات خورخى لويس بورخيس. يغادر إيكو الدنيا كأبرز المفكرين الذي اجتهدوا في تقديم الأدب إلى مستهلك عادي عبر نظرياته النقدية، واستطاع أن يثير شغفه بحقائق الفكر والفلسفة. يذهب إلى أبديته، هذا المبدع الكبير، مغادراً الدنيا وقد ترك للأجيال مساهمته في عالم الأدب، وترك إنجازه الأكاديمي كأستاذ للنقد والفلسفة، والمنظر الرياضي الذي قدم أحدث النظريات في الكتب التي أنجزها، والتي منها: مقبرة براغ، بندول فوكو، اعترافات روائي ناشئ، لا نهائية القوائم، جزيرة اليوم السابق، و دروس في الأخلاق. يغيب إيكو وقد شيعه إلى مثواه الأخير رئيس الوزراء الإيطالي بقوله المثال المدهش والاستثنائي عن عملية التناقض الأوروبي، سابغاً ذكاء الماضي، المتفرد بقدرة لا تنضب على توقع المستقبل. سعيد الكفراوي

مشاركة :