أوجه التشابه بين ترامب وبوتين - علي ناجي الرعوي

  • 2/29/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أن أوجه التشابه بين المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليست بالكثيرة، أكان ذلك من حيث التنشئة أو من حيث التوجهات فترامب ولد لعائلة ثرية وأمضى حياته المهنية في إدارة شركاته الخاصة، في حين بدأ بوتين مسيرته العملية في الاستخبارات السوفياتية قبل أن تجذبه البيروقراطية السياسية الروسية إليها وتأتي به إلى قيادة الاتحاد الروسي فإن التعابير التي يستخدمها كلا الرجلين تجعلهما يظهران وكأنهما ينهلان من فكر واحد وثقافة واحدة وبالذات في موقفيهما من موضوع الحرب على الإرهاب ويتجلى هذا العنصر في أنهما اللذان يجمعان بين الشيء ونقيضه ففي حين تتركز حملة ترامب الانتخابية على ضرورة مواجهة الخطر الخارجي على الولايات المتحدة انطلاقاً من تحذير الأميركيين من خطر الإسلام ونشر الكراهية ضد المسلمين فإنه بهذا الخطاب يوفر دون أن يدري المبررات لاستشراء هذا الخطر على أميركا والعالم برمته. وعلى غرار هذا الخطاب الديماغوجي يعكف بوتين هو الآخر على تقوية تنظيم (داعش) الذي يعد أخطر التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق وليبيا واليمن وغيرها من بلدان الشرق الأوسط عبر الحملة العسكرية لبلاده ضد القوى المناوئة لنظام الأسد على النقيض من الشعار الذي تغلفت به هذه الحملة العسكرية والتي طالما يطرح في وسائل الإعلام انها موجهة ضد التنظيمات الإرهابية فيما الحقيقة انها من تفسح المجال لعناصر الإرهاب للتمدد والتوسع على الأراضي السورية وغيرها وحين استشعرت بعض الأطراف الإقليمية والدولية خطر ذلك التمدد وأفصحت عن رغبتها في إرسال قوات برية لكبح جماح ذلك التنظيم الإرهابي خرج بوتين محذراً من نشوب حرب عالمية إذا ما سمحت واشنطن لنفسها بقيادة هذه الحرب البرية الأمر الذي ترددت معه واشنطن بصورة أدركت معه القوى المنخرطة في الحرب على الإرهاب أن واشنطن تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف لكونها التي تعتقد أن الانخراط الروسي في سورية سيفضي في نتيجتيه المحتملتين إلى الانتصار أو الهزيمة وأن أي من الخيارين هو في صالحها فإن انغمس الروس في رمال سورية المتحركة فإن ذلك سيلجم عنفوان عودة الدب الروسي إلى الساحة الدولية وإن نجح الروس في إعادة الاستقرار إلى سورية فإنها التي ستتقاسم مع الروس الكعكة بصرف النظر إن بقي الأسد أو ذهب. لذلك لم يبالغ المفكر الفرنسي برنار ليفي عندما قال لشبكة( سي ان ان) قبل عدة أسابيع: إن أي إرهابي أو متطرف يتمنى فوز ترامب بالانتخابات الأميركية القادمة واستمرار بوتين في حربه على سورية لأنه من اقتنع فعلا ان الخطاب العنصري لترامب والأسلوب الذي تدار به حملة بوتين العسكرية في سورية يشكلان محفزا للتنظيمات الإرهابية ان لم يساعدا على خلق اجواء حروب تتشح برداء ديني كفيلة بتحويل العالم الى ساحة لمعارك انتقامية وثأرية تتراجع فيها قيم التسامح وسبل التعايش بين الأديان والحضارات. وفي السياق ذاته فقد أشارت صحيفة فاينانشال تايمز الأميركية في احدى تناولاتها مؤخرا الى ان المرشح المحتمل للرئاسة الأميركية دونالد ترامب كثيرا ما يجاهر بإعجابه بالزعيم الروسي وبالقول أيضا انه راض كل الرضا عن المقارنة بينه وبوتين لشعوره ان هذه المقارنة تعجب شريحة واسعة من مؤيديه حتى وهو من يعلم ان التدخل الروسي في سورية ليس موجها لتنظيم داعش الإرهابي وإنما لهدف مرحلي يتمثل في منع سقوط الأسد وآخر استراتيجي يرنو الى تمكين الأقلية النصيرية من حكم الأغلبية السنية والاستبداد بهم حتى اخر طفل يتنفس.. وفي المقابل يغدو من الواضح ان بوتين يرى في ترامب الشخص المناسب الذي يسهل الاتفاق معه قياسا بباراك اوباما او حتى أي مرشح اخر جمهوريا كان أو ديمقراطيا وبالتأكيد فإذا ما فاز ترامب وتمكن من الجلوس على كرسي البيت البيضاوي فإن تحولات كثيرة ستشهدها العلاقات الدولية لن تكون في أفضل الحالات خالية من المفاجآت أو الصدمات. قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن الرئيس الأميركي القادم مع ذلك فان ما رأيناه في السباق الانتخابي الأميركي هذه المرة عكس في طياته نوعا من أنواع التفلت وعدم الالتزام بالمسلمات الانتخابية المتعارف عليها دون ان نجد من يتصدى لهذه التجاوزات غير المألوفة.. فالخطاب العنصري الذي يستخدمه ترامب ضد المسلمين والمهاجرين والمكسيكيين وغيرهم هو خطاب يتصادم مع الدستور الأميركي الذي ينبذ التمييز الديني ويعاقب من يحرض عليه بأي وسيلة من الوسائل ومع ذلك فهاهو هذا الخطاب يجد له رواجاً في وسائل الإعلام الأميركية والدولية وكأن الأمر لا يعني أحدا بما في ذلك النخبة الأميركية التي طالما تفاخر العالم بأنها الحارس الأمين لصوت التعايش بين فسيفساء ومكونات المجتمع الأميركي. يبدو أن أكثر المتشائمين لم يتوقعوا ان يدعو مرشح لرئاسة العالم الحر لمنع المسلمين من دخول أميركا إلا انه وعلى ما في هذا الخطاب من جنوح فها هو ترامب يهيمن على العملية الانتخابية ويفرض خطابه على المرشحين الآخرين ليؤكد فعلا على انه نسخة ثانية لبوتين الذي يتصرف بمنطق الثأر والقوة في سورية اليوم وقبلها في أوكرانيا بما يدل على أن الرجلين ورغم الاختلاف في التنشئة والتوجهات فإن كلاً منهما يقتبس نهجه من الآخر.

مشاركة :