مصر التي في خاطري في محبة الحسين

  • 2/29/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تقول بعض المصادر أن الخلافة الفاطمية أو الدولة العبيدية نسبة إلى عبيدالله المهدي مؤسس الدولة هي الدولة الوحيدة بين دول الخلافة الإسلامية التي اتخذت من المذهب الشيعي (ضمن فرعه الإسماعيلي) مذهباً رسمياً لها. فقامت هذه الدولة بعد أن نشط الدُعاة الإسماعيليّون في إذكاء الجذوة الحسينية ودعوة الناس إلى القتال باسم الإمام المهديّ المنتظر، الذين تنبأوا بظهوره في القريب العاجل، وذلك خلال العهد العبَّاسي فأصابوا بذلك نجاحاً في الأقاليم البعيدة عن مركز الحكم الحكم، بسبب مطاردة العبَّاسيين لهم واضطهادهم في المشرق العربي، فانتقلوا إلى المغرب حيثُ تمكنوا من استقطاب الجماهير وسط قبيلة كتامة البربريَّة خصوصًا، وأعلنوا قيام الخلافة بعد حين. شملت الدولة الفاطميَّة مناطق وأقاليم واسعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فامتدَّ نطاقها على طول الساحل المتوسطي من المغرب إلى مصر، ثم توسع الفاطميّون أكثر فضمّوا الى ممتلكاتهم جزيرة صقلية، والشَّام، والحجاز، فأضحت دولتهم أكبر دولة استقلت عن الدولة العباسية، والمنافس الرئيسي لها على زعامة الأراضي المقدسة وزعامة المسلمين. اختلفت المصادر التاريخية حول تحديد نسب الفاطميين، فمعظم المصادر الشيعية تؤكد صحة ما قال به مؤسس هذه السلالة، الإمام عُبيدالله المهدي بالله، وهو أن الفاطميين يرجعون بنسبهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، فهم بهذا علويون، ومن سلالة الرسول محمد عبر ابنته فاطمة الزهراء ورابع الخلفاء الراشدين الإمام علي بن أبي طالب. أسس الفاطميون مدينة المهدية وهي مدينة ساحلية تقع205 كلم جنوب تونس العاصمة في ولاية إفريقية بين 912 - 913م، واتخذوها عاصمةً لدولتهم الناشئة، وفي سنة 948 م، نقلوا مركز الحُكم إلى مدينة المنصوريَّة الواقعة على بعد نصف ميل جنوب مدينة القيروان والتي أسسها المنصور بالله إبن القائم بأمر الله بن عبيدالله المهدي ووالد المعز لدين الله. قام الفاطميون بمحاولتين للاستيلاء على مصر في عهد خليفتهم الاول عبيدالله المهدي ابو محمد لكنهم فشلوا، ثم حاولوا مرة ثالثة في عهد ابنه القائم بأمر الله ولم يكتب لهم النجاح أيضاً، إلا أنهم في أيام ترنّح الدولة الإخشيدية تحقق لهم ذلك في عهد رابع خلفائهم المعز لدين الله. وبعد أن تحقق لهم فتح مصر سنة 969 م، أسسوا مدينة القاهرة شمال الفسطاط، وجعلوها عاصمتهم، فأصبحت مصر المركز الروحيّ والثقافيّ والسياسيّ للدولة، وبانتقال عاصمتهم إلى القاهرة تمكن الفاطميون من التوسع في الأراضي العربية الأخرى على حساب العباسيين. لم يفلح الدعاة الاسماعليون في إقناع المصريين باعتناق الإسماعيلية، فبقي المصريون على حبهم للحسين وآل البيت عموماً مع التزامهم بمذاهبهم السنية المختلفة، وترسخ ذلك الحب في مظاهر دينية ما زالت أصواتها تتردد في جنبات شارع المعز منذ الدولة الفاطمية حتى اليوم، ولم تنقطع تلك الشواهد الحية بنبضها الدائم في قلوب أهل مصر، لتصبح دليلاً زاخراً بالروحانية على عدم وجود خلاف بين السنة والشيعة في التقرب إلى الله بمحبة النبي محمد وآله، مهما كان اختلاف المسالك والطرق. لقد التزم غالبية الخلفاء الفاطميين بعدم إجبار الناس على التحول قسراً الى العقيدة الإسماعيلية، فلم يصف المؤرخون غير الحاكم بأمر الله بصفات الظلم والبطش لدرجة الجنون، فيقول ابن الأثير عن المعز لدين الله: (وكان المعز عالماً فاضلاً جواداً شجاعاً جارياً على منهاج أبيه من حسن السيرة وإنصاف الرعية) وعن إبن المعز العزيز بالله:(كان يحب العفو ويستعمله، وكان حليماً كريماً شجاعاً وفيه رفق بالرعية). لذلك عندما تولى الخلافة حفيد المعز الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي الثالث على مصر - الذي وُصف بالجنون نظراً لتصرفاته الغريبة وتقلب أفكاره وقراراته التعسفية، أمر الناس بالسجود له بمجرد ذكر اسمه ادعاءً بألوهيته، كما فرض فتح الأسواق والدكاكين ليلاً وعدم العمل في النهار، ومنع أكل الملوخية والجرجير، كما أمر بهدم مسجد عمرو بن العاص، وقام بهدم الكنائس، ومنها كنيسة القيامة مما أدى إلى قيام الحروب الصليبية ضد المسلمين واحتلال بيت المقدس - لم يترك وراءه من تاريخه الحافل بالبطش وسفك الدماء أثراً يذكر له لا عليه، إلا ذلك الجامع في شارع المعز الذي أتم بناءه بعد وفاة والده العزيز بالله. تمسك المصريون بعقيدتهم على المذاهب السنية الأربعة مع الاستمرار في المحافظة على إحياء تلك المظاهر في عشقهم لآل بيت النبوة، ولم يتحوّلوا عن إظهار محبتهم لسيدنا الحسين، مع كل ما أصابهم من الاضطهاد والبطش على يد ذلك الحاكم بأمر الله. لقد اكتنزت في ذلك الشارع العتيق آثار حقب من التاريخ، تناوبت خلالها الحكم على أرض مصر مذاهب إسلامية مختلفة، لكنه بقي إلى يومنا هذا مخلداً اسم المعز لدين الله الفاطمي ويلهج المصريون في محيطه بعشق الحسين في الموالد التي تقام إحياءً لذكرى ميلاده عليه السلام في 3 شعبان من كل عام، وفي الثلاثاء الأخير من ربيع الآخر الذي يرجع إلى ذكرى استقرار رأس الحسين في مسجده الحالي بالقاهرة، بعد وصولها من عسقلان في العهد الفاطمي وتحديدا في عام 548 من الهجرة الموافق1153 من الميلاد، وبذلك يقدم أهلنا في مصر، دليلا على أن المحبة للنبي وآل بيته الطاهرين يمكن لها أن تطهر القلوب، في حين أن السياسة المستغلة لمظلومية الحسين تفسد تلك الطهارة.

مشاركة :