يحاول الاتحاد العام التونسي للشغل من جديد البحث عن دور سياسي مفقود في المشهد بعد إجراءات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، من خلال الدعوة إلى ضرورة اعتماد الحوار لحل أزمة التعليم المتواصلة منذ فترة بين وزارة التربية ونقابة التعليم المنضوية تحته. تونس - جدد الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) تمسكه بآليات الحوار مع الحكومة التونسية لإنهاء التوتر القائم في مجال التعليم، في خطوة طرحت تساؤلات بشأن طبيعة الحوار الذي تريد المنظمة العمالية الذهاب إليه، إما سياسي أو نقابي. ويعلم اتحاد الشغل جيدا أن الوقت غير مناسب الآن للقيام بأي تحرك عمّالي أو احتجاجي، خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد. وهو ما يشير إلى أنه استخدم ورقة المدرسين للضغط على الحكومة من أجل استئناف دوره السياسي في المشهد. وقال أمين عام المنظمة النقابية نورالدين الطبوبي مساء السبت، إن “الاتحاد متمسك بفتح باب الحوار لتحقيق الاستقرار ووضع حد للتوترات بقطاع التعليم، وذلك على خلفية الأزمة بين وزارة التربية ونقابة التعليم الأساسي”. وجاء ذلك في كلمة للطبوبي خلال إشرافه على اجتماع الهيئة الإدارية للاتحاد بمدينة الحمامات شرق تونس. باسل الترجمان: اتحاد الشغل له موقف سياسي ضد الرئيس وإجراءات 25 يوليو باسل الترجمان: اتحاد الشغل له موقف سياسي ضد الرئيس وإجراءات 25 يوليو والأسبوع الماضي أعلنت السلطات التونسية إعفاء 350 مدير مدرسة من مناصبهم، وحجز رواتب شهرية لـ17 ألف معلّم على خلفية رفضهم تقديم أعداد امتحانات التلاميذ. وقال وزير التربية محمد علي البوغديري في تصريحات عقب القرار إن “عدم حصول التلاميذ على نتائجهم كارثة وجريمة”، وإن “القانون هو الفيصل بين الحكومة ومن يتجاوز القانون”. وشدد الطبوبي في كلمته على أن “الوضع يتطلب روح المسؤولية والحكمة لتجاوز الإشكاليات من خلال استباق الأزمات وإيجاد الحلول بالاعتماد على حوار صادق وشفاف يفضي إلى نتائج ملموسة وإعطاء قيمة للمربي ولقطاع التعليم الابتدائي بصفة عامة”. وأضاف أن “الاتحاد متمسك بفتح باب الحوار لتحقيق الاستقرار ووضع حد للتوترات”، معبرا عن “رفض هياكل الاتحاد التام والقطعي لتجويع المدرسين”. وأفاد أن “عدد المعلمين الذين تم حجز رواتبهم يناهز 23 ألفا وليس 17 ألفا كما قالت وزارة التربية”. وأشار إلى أن “معركة قطاع التعليم الابتدائي هي معركة الدفاع عن الحق النقابي ولا يمكن السكوت على هذا الوضع وسيتم اتخاذ كل الآليات النضالية والقانونية الشرعية لدعم القطاع”، على حد تعبيره. ويرى مراقبون أن الأزمة بين نقابة التعليم الأساسي ووزارة التربية تعكس صراعا سياسيا بالوكالة بين اتحاد الشغل ورئاسة الجمهورية. وأفاد الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان أن “الاتحاد بعد ما أعلنه الطبوبي يوم 4 مارس الماضي، كشف أن قيادة المنظمة اصطفت مع المعارضين للرئيس قيس سعيد وفي مقدمتهم جبهة الخلاص وحرك النهضة، وهو بذلك يريد العودة إلى ما قبل إجراءات 25 يوليو 2021”. وأضاف لـ”العرب” أن “اتحاد الشغل له موقف سياسي ضد الرئيس وإجراءات 25 يوليو، وهناك مشكلة نقابية تتعلق بالتعليم، فضلا عن وجود أطراف داخل المكتب التنفيذي للمنظمة تريد الذهاب إلى معركة كسر عظام مع وزير التربية على خلفية رفض البوغديري لمخرجات مؤتمر صفاقس الأخير والتحاقه في ما بعد بوزارة التربية”. وأردف الترجمان “حجب الأعداد قضية أثارت حفيظة الشعب التونسي، وجعلت التلميذ كرهينة، وهو أمر أفسد شرعية مطالب المدرسين، والاتحاد اليوم يسعى لتأجيج الوضع على أمل أن يفرض على الحكومة التراجع عن قرارها بحجز أجور المدرسين، حتى تحاول قيادة الاتحاد أن تستعيد الثقة داخل مؤسساتها”. وتابع “لن يكون هناك حوار سياسي مع الاتحاد لأن قيادة المنظمة جزء من منظومة جبهة الخلاص وحركة النهضة، والحوار النقابي ليس باستعمال القوة، والحكومة لن تتراجع عن قراراتها لأن ذلك سيفتح الباب أمام جميع المجالات للاحتجاج”. ويقول متابعون للشأن التونسي إن الدور النقابي لجامعة التعليم تطغى عليه الصبغة السياسية، خصوصا بعد تمسّك نقابة التعليم بمطالبها دون مراعاة الصعوبات المالية والاقتصادية للبلاد، في علاقة بتأمين سدّ عجز الموازنة للعام 2023. ويشير هؤلاء إلى أن نقابتي التعليم الأساسي والثانوي في تونس هما أبرز النقابات التي يراهن عليها اتحاد الشغل لابتزاز الدولة، وهو ما يشكل تهديدا للمنظومة التعليمية العمومية ككل. رافع الطبيب: الطبوبي لا يريد حوارا لتحسين ظروف التعليم رافع الطبيب: الطبوبي لا يريد حوارا لتحسين ظروف التعليم ودخل الاتحاد في معركة ليّ ذراع مع السلطة من بوابة رفض قبول الحكومة بشروط يطرحها صندوق النقد الدولي في مفاوضات متعثرة، للموافقة على برنامج تمويل بنحو 1.9 مليار دولار تحتاجه تونس بشدة في مواجهة أزمة مالية طاحنة. وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب إن “موقف الطبوبي لم يعد يعبر عن أنصع تيار في الاتحاد، ومحاولته الركوب على الحدث (أزمة التعليم) تكشف أن المنظمة أصبحت خارج حسابات السلطة وخارج المعادلة أيضا”. وصرّح لـ”العرب” أن “الطبوبي لا يريد حوارا لتحسين ظروف التعليم بل يريد إعادة نشر اسمه في المشهد وإيجاد دور ما بعد أن تم استبعاده مع القيادة التي معه”. والأربعاء قررت نقابة التعليم الأساسي التابعة لاتحاد الشغل اللجوء إلى القضاء لإلغاء قرارات وزارة التربية بإعفاء 350 مدير مدرسة وحجز رواتب 17 ألف معلم، على خلفية رفضهم الإفصاح عن كشوفات اختبارات الطلاب. ومنذ بدايتها في سبتمبر الماضي، شهدت السنة الدراسية الماضية أزمة بين وزارة التربية ونقابة التعليم تعثرت خلالها المفاوضات بين الجانبين. وتطالب النقابة بتنفيذ اتفاقات وُقّعت منذ عام 2019 تقضي بتمكين المدرّسين من التدرّج المهني، وبرمجة انتداب المعلمين النواب على مراحل. في المقابل، تقول وزارة التربية إنها غير قادرة على تلبية المطالب ذات التبعات المالية، وخصوصا في ظل أزمة اقتصادية كبيرة تقف الحكومة أمامها عاجزة، وأجبرتها على اتخاذ عدد من القرارات، من بينها تقليص موازنات العديد من الوزارات وعدم تفعيل الاتفاقات بصيغتها المادية وإيقاف الانتدابات تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي.
مشاركة :