الاتحاد التونسي للشغل منظمة نقابية أم قوة سياسيةتنامي النفوذ السياسي للاتحاد العام التونسي للشغل يقلق المعارضة التي أطلقت انتقادات لتدخل المنظمة النقابية الكبرى في البلاد، في الشؤون السياسية واعتبرته تعديا على الديمقراطية الناشئة.العرب آمنة جبران [نُشر في 2018/02/15، العدد: 10901، ص(4)]قوة لا يمكن تجاهلها تونس - استنكرت أحزاب المعارضة الدور المتصاعد للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة عمالية)، في إدارة شؤون البلاد، منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي تجاوز دوره الاجتماعي في الدفاع عن منظوريه من العمال إلى التدخل بقوة في الشأن السياسي. وأنتقد أحمد نجيب الشابي رئيس حزب الحركة الديمقراطية الدور الذي يلعبه الاتحاد العام التونسي للشغل مستنكرا تمسّكه بالتدخل في الشأن السياسي. وقال نجيب الشابي لـ”العرب” إن “كل المؤسسات لها وظيفة خاصة بها في إطار الديمقراطية، ووظيفة النقابات الدفاع عن مصالح منظوريها الاجتماعية”. ولعبت المنظمة النقابية دورا بارزا في تجاوز الأزمات التي شهدتها تونس منذ 2011. وساهمت في استعادة الاستقرار، كما استطاعت أن تثبت أنها قوة اقتراح تستطيع أن تجمع كل الأطراف السياسية على طاولة واحدة، ما جعلها تتوج مع بقية أطراف الحوار الوطني بجائزة نوبل للسلام عام 2015. إلا أن نجيب الشابي له رأي مختلف حيث اعتبر أن “التداخل بين الوظائف الاجتماعية والسياسية لا يخدم الديمقراطية وغير محبذ”. ورأى أنه “على المنظمة ألاّ تتدخل في الحياة السياسية كإقالة أو تعيين وزراء فهذا من مهام رئيس الحكومة والبرلمان والأحزاب”.ورغم نجاح المنظمة في الحفاظ على نهج الحوار بين مختلف الفرقاء السياسيين واعتماد مواقف متزنة تراعي الضغوط المحيطة بالحكومة وشرعية المطالب الشعبية مما يبين نضجها السياسي، إلا أن تدخل المنظمة في الأزمات التي عاشتها الحكومات المتعاقبة يثير تحفّظ المعارضة. ويقف اتحاد الشغل في صف حكومة يوسف الشاهد رغم مساعي المعارضة إلى الإطاحة بها كما يدعم وثيقة قرطاج، فالمنظمة الشغيلة هي أكبر داعم لحكومة الوحدة الوطنية في ظل تفتّت الحزام السياسي منذ انسحاب أربعة أحزاب من وثيقة قرطاج بصفة نهائية. وقال الشابي “إن اتحاد الشغل هو جزء من الوطن وتعنيه القضايا الكبرى كالاستقلال والحرية، غير أن الحياة السياسية تقوم على الأحزاب التي تنوب الشعب عبر صناديق الاقتراع″. وأوضح أن موقفه “يأتي في إطار رغبته في أن لا تتداخل الوظائف حماية للديمقراطية”، مشيرا إلى أنه “لا يمكن ممارسة السياسة من خارج الإنابة التي يسندها الشعب”. وتابع الشابي “أحترم وأجلّ الدور التاريخي لإتحاد الشغل لكن أرفض التداخل في الوظائف”. وفي معرض رده على تصريحات أحمد نجيب الشابي قال سامي الطاهري الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل لـ”العرب” إن “الشابي أكثر من يعلم بالدور التاريخي الذي لعبه الاتحاد منذ فترة الاستعمار إلى مرحلة بناء الوطن بعد الاستقلال وحتى اليوم”. ورأى الطاهري أن “انتقاد الشابي يأتي في إطار رغبته في العودة إلى الحياة السياسية من خلال الركوب على الاتحاد أو لأنه يطمح لمكاسب انتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية”. وأضاف “نحن لسنا حزبا لذلك نطمئن الشابي أننا لن ننافسه”. ويشير مراقبون في تونس إلى أجواء المنافسة المحتدمة بين الفرقاء السياسيين مع اقتراب الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في مايو القادم التي تجلت في تشكيل تحالفات جديدة لمواجهة التحالف القائم بين حزبي نداء تونس والنهضة. في المقابل يلفت هؤلاء أن الاتحاد يحافظ على مسافة محايدة بين جميع أطراف ومكوّنات السلطة ما عزّز شعبيته وثقله السياسي، في حين أدّى ضعف أداء الحكومة وأحزاب التحالف إلى تراجع نسب تأييدها الشعبي. وبيّن الطاهري “نحن ناخبون وفاعلون ولنا مشروعية التدخل في الشأن السياسي على غرار دورنا النقابي”. وتابع “من حق الاتحاد أن يتدخل في السياسة فهو حق تاريخي وليس بدعة، نحن فاعلون والدستور لا يمنعنا”. ويرى المراقبون أن دور الاتحاد تغيّر في السنوات السبع الأخيرة التي عاشتها تونس، حيث كان الاتحاد قبل 2011 منظمة نقابية تتحرك بهدوء لأجل مصالح العمال، لكنها تتحرك الآن كقوة سياسية وباتت أداة ضغط ومفاوض اجتماعي له ثقله في كل الملفات. وفي تفسير لدور الاتحاد الذي انحاز من مساره النقابي إلى السياسي أوضح المحلل السياسي فريد العليبي لـ”العرب” أن “علاقة النقابي بالسياسي قوية في اتحاد الشغل منذ زمن طويل منذ تأسيس الاتحاد”. لافتا أنه “خلال كل المنعطفات المختلفة التي عاشتها البلاد برز اتحاد الشغل كقوة معارضة سياسية لا كنقابة فقط”. ورأى أن “تقارب الاتحاد مع الحكومة الحالية يهدف إلى عدم ترك رئيسها رهينة لدى الإسلاميين”، مشير إلى أنه “بدا واضحا في مناسبات مختلفة أن الشاهد يصغي لقيادات اتحاد الشغل ويعمل على إرضائها وصولا إلى إقالة وزراء وتعيين آخرين بما يتفق ورغبة تلك القيادة”. وفسر العليبي الدور السياسي الآخذ في التصاعد للاتحاد بعاملين أساسيين: يتمثل السبب الأول في “نجاح الاتحاد في أن يكون منظمة كبيرة منغرسة في مختلف مناطق البلاد أشبه بجبهة سياسية نقابية نجحت في التأليف بين طيف واسع من اليسار القومي والماركسي والليبرالي وهو ما لم تنجح فيه جبهات سياسية يسارية مكونة من أحزاب”. أما السبب الثاني فيعود إلى “ضعف السلطة السياسية الحالية المكوّنة من حزبين متنافرين ونعني حزبي النهضة ونداء تونس”.
مشاركة :