ممّا هو معلوم أن السعودية كانت تعيش حقبة سابقة سادها شظف العيش وضيق ذات اليد نتج عن ذلك تعرضها لمصاعب جمّة وتحديات كبيرة ولكن يشهد التاريخ أن طوال تلك الحقبة لم تطلب هذه البلاد وشعبها من قريب أو بعيد أي مساعدة رغم أنها كانت في أمسّ الحاجة لها وذلك بسبب إيمانها العميق بأن أي أمر يُصيبها هو أمرٌ قدّره الله لها وعليها أن تتقبلهُ وتحمد الله عليه فكان الجزاء الربّاني لذلك الإيمان أنها عاشت رغم كل ما أشرت إليه من ضنك ومعاناة في رعاية الله وحفظه والدليل على ذلك أن الله جنّبها الكثير مما أبتلى به غيرها من بلدان المنطقة سواءً كان استعمار أو استنزاف صادر من خلاله من أعتدوا عليها جُلّ ما كانت تنعم به تلك البلدان من خيرات كثرت تلك الخيرات أم قلّت .. وبالإضافة إلى تجنيب الله للسعودية مرارة الاستعمار الذي كانت تعيشه معظم بلدان الشرق الأوسط إن لم يكن جميعها فأن الله رزقها فوق ذلك خيرات كثيرة وثروات وفيرة أحدثت نقلة جذرية في حياة المجتمع السعودي فساد الخير في أطنابها وعمّ الرخاء ارجاءها وأصبح المجيء إليها هدف وحلم جميع من أصبحوا بعد زوال الاستعمار عنهم يعيشون حياة قاسية لأسباب عديدة لم يكن الاستعمار وحده السبب فيها وإنما يُضاف إلى ذلك سوء إدارتها والتفريط في مختلف العوامل التي كان من الممكن لها أن توفر لهم عيشة كريمة وهو ما زاد الطين بِلّة بالنسبة لهم .. ونظراً لهذه المعطيات ولشعور السعوديين بالمسؤولية تجاه ما يحدث لأشقائهم العرب تحديداً وانطلاقاً من حرص قيادتهم على التخفيف من معاناة هؤلاء الأشقاء دون إغفال رغبتها الطامحة في أستغلال ثرواتها بالشكل الأمثل، ما جعل السعودية تقوم بفتح ذراعيها لهم واحتضانهم ومنحهم فرصة انتشال أنفسهم من الحال المزري الذي كانوا يعيشونه في بلدانهم ولم تُفرّق بينهم في هذا الشأن وإنما أفسحت المجال للجميع .. ونحن نعترف بأن هذا الانفتاح كان يحقق منفعة مشتركة وأن من وفد إلينا قدّم لنا خدمات لا ننكرها ولكن هذه الخدمات لم تكن مجّانية حيث قوبلت هذه الخدمات بالعطاء الجزيل مقروناً بالشكر والعرفان وهو أمر لم يقم به معظم من كان يتمتع بهذا العطاء والدليل هو ما نراه ونسمعه ونقرأه في طرح الكثير منهم في مظهر لا يدل إلا على نكران جميل واضح وجليّ وعدم عرفان لا يحجبه غربال ورغم هذا التجني لم تقم السعودية بإغلاق أبوابها في وجه الكثير منهم .. إلا أن استفحال هذا الحال الذي بدأ يُعبر عنه حتى بعض قيادات هذه البلدان وليس فقط عامتهم تطلّب وقفة صارمة وحازمة من قبل القيادة السعودية بعد أن رأت ضرورة تغيير بعض السياسات السابقة ليس لأنها خاطئة وإنما لأنه تم استغلالها دون الاعتراف بفضلها حيث أصبح تركيز قادتنا حفظهم الله على الداخل أكثر من السابق مبدين أهمية العمل على تنمية وطنهم بصورة أكثر جهداً وأسرع تنفيذاً إيماناً منهم بضرورة أن يجعلوا من مصلحة شعبهم البوصلة التي تحركهم وتحدد وجهتهم وهو ما أثار حفيظة الكثير في المنطقة والعالم إلا أن هذه الاستثارة لم تنل من توجهات القيادة السعودية ولم تثني عزمها عن السير وفق خطط مدروسة هدفها الرئيس تطوير ذاتها وتحقيق رفاه مواطنيها وخلق سمعة إيجابية عنها وهذا ما تحقق الكثير من جوانبه داخلياً وخارجياً.. إن ما أصبح يعلمه الجميع بعد أن أوصلته القيادة السعودية بشكلٍ لا لبس فيه أن مصلحة وطنها ومواطنيها غدت الحجر الأساس الذي يحكم كافة تعاملاتها الاقتصادية والسياسية كما أوصلت أنها لن تخضع لأي ابتزاز أو ضغط يهدف لثنيها عن المضي في هذا الخيار الاستراتيجي الذي انتهجته وبدأت تسير تبعاً لمعطياته لذا فعلى كل من أراد أن يُحقق أي مصلحة له في تعامله معنا، أن يدرك ضرورة أن يحقق مصلحة سعودية خالصة في المقابل وهذا التوجه ليس الهدف منه التخلي أو النيل من أحد وإنما فقط التأكيد على أن المصلحة السعودية تحتل مقدمة اهتمامات قيادتها وتأتي أولاً ثم أًولاً ثم أولاً قبل أي أمر آخر مهما بلغت أهميته.
مشاركة :