"كلام عيال" اسم العرض المسرحي الذي عرض على مسرح "تياترو النيل" بالإسكندرية الأسبوع الماضي، وهو العرض الأول للمسرحية، والمسرحية الثانية لفرقة "مستيكة" التي أسسها مجموعة من الهواة والمهتمين بالمسرح وعلى رأسهم الكاتب المسرحي والروائي أحمد الملواني وهو مؤلف ومخرج العرض. وفكرة المسرحية قائمة على قصة سينمائية كتبها المخرج الكبير محمود كامل، وتقوم الفكرة على أب يدعي أن ابنه الوليد والذي يبلغ من العمر 7 أشهر تحدث في المهد، ومن هنا تتفرع الأحداث وتتصارع حولها الشخصيات. شارك بالتمثيل في العرض مجموعة متميزة من الممثلين، قدم كل منهم شخصيته في العمل بشكل مميز ربما كانت هناك شخصيات برزت بشكل أقوى من غيرها، لتقمص الممثلين الشخصية حتى تعتقد أن هذه هي شخصيتهم في الحقيقة، ومنهم أمينة سالم الناشطة في حقوق المرأة والنسوية التي لا تصدق بوجود معجزة تجعل الطفل يتحدث في المهد، وتعمل كل جهدها لتكذيب الأب بل والزج به في السجن، إلى أن يأتي الشيخ المتشدد والذي يقوم بدوره "هيثم الوزيري" الذي يرفض أيضا أن يتحدث الطفل في المهد، وأن المعجزات لا تحدث للبشر العاديين، فتجد هنا أمينة سالم أنه عليها أن تخالفه من باب المخالفة وليس من باب القناعة، فتتحول من رفض الفكرة إلى قبولها، بل والدفاع عنها، حتى تكشف لنا عقدتها الحقيقة، فهي لا تصدق بوجود المعجزات لأنه لو كانت تحدث لكانت حدثت لها هي في حلم الإنجاب، والذي أدته الفنانة الصاعدة "مروة عبيد" بشكل مؤثر جدا استحقت عليه التصفيق الحار، وهذا التضاد بين شخصيتين كل منهما متشدد في اتجاه أظهره الملواني بشكل شديد البراعة. أما مراسل القناة الباحث عن السبق والذي أدى دوره "مايكل فوزي"، فهو يلعب على كل الوجوه في سبيل وصوله لهدفه ولو على حساب المبادئ، فمرة هو مع الأب ليحاول تلفيق الأدلة له لإثبات إدعائه، ومرة ضده عندما يستشعر أن الجميع ضد ما ادعاه الأب، فلا يجد أمامه سوى أن يميل لرأي الأغلبية. وهنا كان يوافق موقف الصحفي في البداية موقف الأب إن سلمنا أنه كان فعلا يبحث عن الشهرة والتريند. أما ممثل الأوقاف والذي أدى دوره "مصطفى السعدني" هذا النمط من الموظفين الحكوميين السلبيين الذي لا يعنيه سوى "تستيف الأوراق"، فنراه يأتي نيابة عن مديره الذي أرسله نيابة عن مديره، وهكذا كل مدير يكلف شخص من مرؤوسيه فيكلف هو مرؤوسه، حتى يصل الأمر لهذا الموظف، الذي ينتظر بفارغ الصبر أن يحصل على راتبه، فيتفق مع زميله على حجز مكان له أمام ماكينة الصراف الآلي، ويتابع معه تليفونيا، ويستعجل اللجنة التي أتت لفحص الطفل للتأكد إن كان يتحدث بالفعل كما ادعى والده في الفيديو الذي نشره على وسائل التواصل الاجتماعي أم لا، فهو لا يعنيه الحقيقة ولكن يعنيه الورق الذي سيعود به لرئيسه. أما النموذجين النسائيين الأخريين فكان لإحدى أعضاء اللجنة التي تم تشكيلها والتي تعمل بوزارة الصحة والسكان، الدكتورة التي مكثت في كلية طب 11 سنة، فقد دخلت الكلية إرضاءً لرغبة والدها، ثم تحولت لموظفة تقليدية، كأنها لم تحصل إلا على قسط بسيط من التعليم، فغلبت نشأتها على مستواها التعليمي، فتراها تتحدث كأنها لم تكمل تعليمها، وقامت بدورها "إيناس الشنواني". والنموذج الآخر، لسيدة لم تكمل تعليمها بالفعل وهي الأم، والتي قامت بدورها "هند عابدين"، التي تحاول دائما تهدئة زوجها بعبارة "فك شوية" كلما عصبه رد أحد أعضاء اللجنة من المكذبين لادعائه، والتي حاولت "أمينة سالم" أكثر من مرة أن تدفعها لتغيير شخصيتها السلبية التي تعيش فقط من أجل زوجها، فهي تعيش لتطبخ له، وتنظف المنزل، وتربي ابنهما، وتهتم بكل احتياجات زوجها، دون أن يكون لها هي نفسها هدفا شخصيا تحققه لإسعاد نفسها أو تحقيق ذاتها، وهنا يظهر مرة أخرى التضاد بين الشخصيتين في شكل واضح، وهذا ما يظهره الحوار بينهما. أما الزوج والذي أدى دوره "عادل حافظ" فكان ادعاؤه هو محور الأحداث، وفي كل مرة يدور فيها حوار بينه وبين أحد شخصيات العرض، تجده يؤكد أن ابنه الوليد تحدث في المهد، ويتساءل: لماذا لا يصدقونني؟ لماذا لا تحدث المعجزات لي؟ هل هم يستكثرونها علي؟ هل انتهى فعلا عصر المعجزات؟ هل لأنني بسيط لا يصدقون أن تحدث المعجزة لي؟ كل ذلك في قالب كوميدي لطيف، مليء بالضحك، وهناك "لزمات" للممثلين كانت تجلب الضحك الكثير. مع بساطة الديكور والإضاءة والملابس والصوت، والعديد من المكونات للعرض، لم أستطع سوى احترام هذا الجهد من الفرقة المستقلة لهواة يسعون لتقديم مسرح جاد بجهود فردية بأبسط وأقل الإمكانيات المتاحة، يقدمون عملهم بشغف، يطمحون لاستمرارية فرقتهم، ولتقديم عروض أخرى لها فكرة وتقدم عملا يحترم الجمهور وعقله، ولا يقدم شيئا سطحيا أو تافها، أو لمجرد الضحك. لينتهي العرض بمفاجأة، فالأم التي كانت طوال العرض ترفض أن تؤكد أو تنفي إن كان وليدها تحدث بالفعل أو لا، فنجدها تتحدث للطفل وتسأله لماذا تحدث أمام والده؟ وتلقي عليه اللوم، وأنها كان يجب أن تكون الوحيدة التي يتحدث إليها. هل الأم والأب لديهما اضطراب نفسي يجعلهما يتخيلان ذلك؟ يترك لك العرض هذا السؤال دون إجابة وتكون نهايته مفتوحة. ومن الجمل التي استوقفتني في العرض، الجملة التي جاءت على لسان الشيخ، حين قال مطالبا الأب أن يطلب من ابنه أن يتحدث ليثبت كلامه، ولكن عليه أن يقول كلاما محددا، لأنه إن نطق بكلام لا يعجب الناس فإن الخسارة ستكون كبيرة، فالناس تسمع ما تحب، حتى أنه هو نفسه يفعل ذلك ولو لم يفعل لخسر متابعيه، وحين يندهش الأب من كلام الشيخ، وكيف يأمر طفل رضيع أن يقول كلاما محددا، يرد عليه الشيخ: "من يتحدث يسمع، ومن يسمع يُلَقَن" وهذه العبارة أكبر من أن يكون مقصود بها الطفل وأبيه والموقف الدرامي، فهذه عبارة فلسفية صاغها بمهارة أحمد الملواني. شخصيات العرض، ليست مثالية، وليست أغلبية، ولكنها نماذج من المواقع أظهر من خلالها الملواني الصراع بين الشخصيات، وتعارض المصالح، والخلفيات الثقافية، والقيم الأساسية التي تحرك كل منهم. مسرحية كلام عيال التي قدمتها فرقة "مستيكة المسرحية" والتي أسسها مجموعة من هواة المسرح، لتقدم عروضها المستقلة، كان لي بعد نهاية العرض هذا الحوار مع مؤلف ومخرج العرض، الكاتب المسرحي والروائي أحمد الملواني كيف تكونت فرقة مستيكة المسرحية؟ وكيف اتجهت للإخراج للمسرح بجانب التأليف له؟ عرض عليا صديقي هيثم الوزيري، ممثل المسرح الهاوي، فكرة إنشاء فرقة مسرحية تضم أصدقاءه من الممثلين، واقترح أن أكون مؤلف الفرقة، فأعجبت بالفكرة خاصة وأن عمل الهواة مهم جدا بالنسبة لأي فنان حتى وإن كان محترف لأنه مفتاح استمرار الشغف لدى الفنان دون التقييد بظروف الإنتاج وغيره. وقمنا بتأسيس الفرقة من 3 ممثلين وهم هيثم الوزيري وعادل حافظ وإيناس الشنواني، وعندما أردنا عمل أول عرض لنا وهو "موجة عرابي" فلم نجد مخرجا، فتوليت إخراج العرض. وكان أول عرض لنا بعد انقطاع 3 سنوات بسبب كورونا وظروف شخصية أخرى مثل مرض والدي، كان لدي النص مكتوب منذ سنتين فقمت بعمل بعض التعديلات وأثناء العمل عليه كانت لدي الرغبة في إخراجه، ولكن كان مجهودا كبيرا وعملا متعبا. ما الذي يمكن أن يضيفه الإخراج المسرحي لأحمد الملواني الكاتب؟ حتى الآن أنا لا أعرف إن كنت سوف أكمل عملي في الإخراج أم لا، ولكن شغفي للتأليف ما زال هو الأكبر. شغل الهواة والمسرح المستقل يجبر المخرج أن يتدخل في جميع التفاصيل، خاصة وأنه يتعامل مع داعمين ومتبرعين لذلك يفكر دائما في الحلول للديكور، والموسيقى، الصوت، وغيره، فقمت بأعمال كثيرة في هذه المسرحية وأحببت بعض هذه الأعمال واستمتعت بها أكثر من الإخراج نفسه، مثل الدعاية والفيديوهات، ولكن الإخراج كان هو المسؤولية الأكبر، وأعتقد أنه صعب على المخرج أن يشعر بمتعة الإخراج خاصة في عمل الهواة، لأن المخرج يتطلب منه توفير جميع احتياجات العمل، ولكن هذه التجربة تعلمت فيها الكثير عن المسرح من جميع جوانبه من الصوت والإضاءة والديكور وإدارة المسرح وذلك يمكن أن أستفيد منه بعد ذلك كمؤلف. ما الصعوبات التي واجهتك في إنتاج العمل خاصة وأنها فرقة مستقلة وفرقة هواة؟ أول الصعوبات التي واجهتنا هي، توفير مسرح، ولكن قامت بإهدائه لنا السيدة أروى قدورة وهي منتجة كبيرة في القاهرة ولها فضل على الكثير من الفرق المستقلة بالقاهرة، وكنا أول الفرق التي تقوم بدعمها في الإسكندرية، وكان لدي معرفة بها وتعاونا معا في أعمال سابقة، ومن أشهر أعمالها عرض اسمه "1980 وإنت طالع" للمخرج محمد جبر، ويضم نجوم بدأوا هواة مثل حاتم صلاح، ولدى السيدة أروى إيمان كبير بفرقتنا، ولذلك قامت بدعوتنا لعرض "كلام عيال" في القاهرة، وعندما يتم تحديد ميعاد العرض سوف نقوم بالإعلان عنه. هل من الممكن عرض مسرحية طيب وأمير في الإسكندرية بعد النجاح الكبير الذي لاقته في القاهرة وأنت مؤلف العرض أيضا؟ نتمنى جميعا، الفرقة، والمخرج، ومدير الإنتاج، أن نعرض في الإسكندرية، ولكن ذلك مرتبط ببعض الموافقات فلا نستطيع أن نجزم بأن ذلك سوف يحدث أم لا، ولكن هناك رغبة من الممثلين في ذلك وهذا سوف يسهل الموضوع، وأنا متفائل بأن يتم عرضه هذا الصيف في الإسكندرية.
مشاركة :