تشكل المرأة الهاجس الأكبر للمصورة الفرنسية سكارليت كوتن التي ما انفكت ترصد بعدستها، منذ العام 2011، واقع حياة المرأة العربية والتغيرات التي طرأت عليها عقب الربيع العربي، ودرست مدى تأثرها بالثقافات الغربية خصوصاً في المجتمعات غير التقليدية كمجتمعات الريف والبادية، التي ما زالت تتخفى في تلافيف عباءة التنشئة العربية، بعاداتها وتقاليدها المترسخة، والمفاهيم الموروثة المـحافظة أو المنغلقة، والأنماط الثقافية المتجذرة التي لا تختفي مع الزمن «وإنما قد تتطور في سياق محدود». تقول المصورة العاشقة للثقافة العربية التي درست في المدرسة الوطنية للتصوير الفوتوغرافي في مدينة آرل الفرنسية لـ«الحياة»: «في الأقطار العربية تجد نفسك محاطاً دائماً بالرجال في الفضاءات العامة والخاصة، ولا تجد أحداً يتحدث عن هذه الظاهرة، عكس المجتمعات الغربية التي تجد فيها المرأة في كل مكان». اعتقدت المصورة الفرنسية التي نالت العديد من الجوائز الدولية أن رياح الربيع العربي طاولت المرأة وحقوقها ورسخت قدميها على صعيدي التمكين والمساواة، إلا أنها عقب العديد من الجولات والترحال في البلاد العربية والمتوسطية من طنجة إلى الجزائر وتونس ورام الله ومصر وغيرها، اكتشفت أن «التفكير الشرقي الذكوري عميق جداً في المنطقة وضارب في الذهنية العربية، فالرجل هو من يصنع الأحداث، وهو من يرسم تاريخ المجتمعات». وتضيف: «عقب ثورات الربيع العربي، نكاد لا نرى إلا صورة لرجال يمكنهم التعبير عن أنفسهم في شكل غير محدود، في السياق الاجتماعي الذي يحد من حركة المرأة». قدمت كوتن بمعرضها في الإسكندرية صورها ذات الدلالات في إطار مشاهد الحياة اليومية والتي تمتلئ بالتفاصيل، وتقول عن ذلك: «يأتي المعرض رغبة في توسيع الرؤية لدينا في الغرب عن المجتمع العربي، بالإضافة إلى الرغبة في كشف حقائق قد تكون غامضة في هذه المناطق التي أصبحت في السنوات الأخيرة فجأة تحت الأضواء». 70 صورة طرحت فيها المصورة الفرنسية تساؤلات كثيرة حول الحقوق والضمانات الدستورية لحرية التعبير، والمساواة بين الجنسين، وكيف ساعدت التكنولوجيا ووسائل التواصل بين الشرق والغرب في التقارب الفكري وتغيير ثقافات وإضعاف عادات وتقاليد تدخل في سياق البيئة والتنشئة الذكوريتين. واللافت في المعرض أن الأجوبة عن تلك الأسئلة يكاد يعثر عليها المتلقي في شكل واضح، فصورة منتصف جسد الفتاة التي لم تظهر وجهها للكاميرا في حين يظهر جزء صغير من كاميرا حديثة تمسكها في وضع التصوير يشي بالكثير، كما أن الفتاة التي تغطي وجهها وتحمل حقيبتها وبيدها الأخرى طائرة ورقية تكاد تطيرها ترسخ لعين المجتمع الناقدة والمستنكرة لفتاة سمينة «لا تحترم تكوينات جسدها الممتلئ» وتكاد تلعب بألعاب الطفولة. اللافت في المعرض تركيز الفوتوغرافية الشابة على الشباب بما تحمله شخصياتهم من حيويّة، وما يختلج في صدورهم من مشاعر متدفقة متناقضة، متحمسة أو متخاذلة، وإمكان تغيير وجهات نظرهم والمرونة التي يظهرونها أمام تكنولوجيا العصر ويخفونها أمام عائلاتهم... كل هذا أظهر المعرض في شكل بانورامي غني بالدلالات، يعكس مدى ارتباط هذه الفئة بذكورية بيئتها وحفاظها على جندريتها مهما طاول أفرادها من «شظايا» الحداثة.
مشاركة :