أخطاء طبية تولّد جرحاً إجتماعياً نازفاً

  • 3/3/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كلّفه المبيت ليلة واحدة في مستشفى حكومي في الجزائر العاصمة، فقدان نِعَم البصر والنطق والحركة. هي حال الطفل سعيد أ. الذي أصبح شاباً، وكان تجرّع أهله مرارة التشخيص الخاطئ لوضعه الصحي، فاستُؤصل منه الأمل في حياة إجتماعية طبيعية. لم يكن من الصعوبة بمكان العثور على ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر، ممن استُؤصلت أعضاء من أجسادهم خطأ، فالحالات المسجّلة تُعد بالآلاف. وهم دخلوا في صراع مرير لاسترجاع حقوقهم بقوة القانون، مع صعوبة تعويضهم مادياً ومداواة الجرح الإجتماعي والنفسي الذي تنسجه هفوة طبية. وقد تكون حالة سعيد الذي تعدّى الـ 20 سنة، المسار الطويل لمعاناة ضحايا الأخطاء الطبية في الجزائر. يذكر والد الضحية لـ «الحياة» أنه أدخل فلذة كبده إلى مستشفى في العاصمة عام 2004، بسبب ارتفاع منسوب السكري في الدم، وكان عمره حينها 7 سنوات. أمضى سعيد ليلة واحدة في المستشفى حقن خلالها بمادتي «الفاليوم» و «الأنسولين»، ما أدّى إلى تعرّضه لفقدان البصر والنطق والشلل، وعلى رغم اعتراف الطبيب المسؤول بالخطأ، إلا أن الضحية حرم من مزاولة دراسته ويحتاج الآن إلى تأهيل حركي.   تبرؤ من المسؤولية يكون الخطأ في تشخيص الحالة المرضية بداية معاناة طويلة لضحايا كثر. وهو وضع طاول سيدة فقدت بصرها قبل 7 سنوات، بعد خضوعها لجراحة لإزالة «الماء الزرقاء» في المركز الاستشفائي الجامعي لحسين داي بالعاصمة. وكان الطبيب الجراح أكدّ لها أن العملية سهلة، غير أن من يوصف بـ «ملاك الرحمة» اعترف بأنه أخطأ وأصابها في بؤبؤ العين، ما جعلها تفقد البصر. ثم وعدها بأنه سيصحح خطأه بزرع قرنية لها، لكنه لم يفعل. وبعد مد وجزر تبرّأ من المسؤولية وطلب منها أن تعالج في مكان آخر، رافضاً أن يوقّع لها طلب الحصول على منحة لمتابعة العلاج. أما أشهر القضايا التي هزّت الرأي العام خلال السنوات الماضية ولا يزال معظمها عالقاً في المحاكم، فهي إصابة 17 طفلاً بحروق في أعضائهم التناسلية أثناء عملية ختان جماعي في قسنطينة (شرق)، وفقدان 8 آخرين نعمة البصر في عيادة خاصة لجراحة العيون. وأمام استفحال معدّل الضحايا ترتفع مستويات ملاحقة الأطباء المتسببين في العاهات المستديمة، لكن حقوقيين يؤكّدون أن أكثر من 40 في المئة من الضحايا، يرفضون اللجوء إلى القضاء، بسبب غياب قانون يحميهم، وتعقيدات المتابعة. ويستغرق البت في قضايا أخرى 14 عاماً، وتنتهي عادة ببراءة الأطباء أو رفض المستشفيات تسديد المبالغ المالية التي تقرها العدالة في منطوق أحكامها، كتعويضات للضحايا. وبرز تجاهل السلطات الجزائرية لهذه الفئة في شكل واضح، من خلال مشروع قانون الصحة الجديد. إذ لم يتضمّن إجراءات خاصة لمصلحة ضحايا الأخطاء الطبية مع غياب قانون يحمي الضحية ويعاقب مرتكب الخطأ. واكتفت وزارة الصحة بإنشاء صندوق تعويض للمرضى ضحايا الأخطاء الطبية يستفيد منه الذين لم يلجأوا إلى العدالة.   الضرر المعنوي ووفق تقرير الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان الذي اطلعت «الحياة» على نسخة منه، تجاوز عدد قضايا الأخطاء الطبية الـ1200، علماً أن الرقم لا يعكس الحقيقة الفعلية لواقع هذه الشريحة المهمّشة التي أخذت في السنوات الأخيرة منحى تصاعدياً مع ارتفاع عدد الضحايا في القطاعين الحكومي والخاص. ويحصي التقرير الحقوقي المشكلات النفسية المتفاقمة لنسبة كبيرة من الضحايا، بسبب الضرر المعنوي الناجم عن هذه الأخطاء، خصوصاً بالنسبة إلى الحالات التي تعرّضت لعاهات أو إعاقات دائمة، إذ تدمّر حياتهم كلياً. وغالباً ما يتعرّض هؤلاء إلى مشكلات التسريح من العمل والإحالة على البطالة والتسرّب المدرسي للأطفال. من هنا أهمية إدراج الحقوق الصحية في المناهج الدراسية، وأن تنشر الثقافة الحقوقية الخاصة بالجوانب الصحية بين التلاميذ أنفسهم ليعرفوا حقوقهم. ويكشف رئيس المجلس الوطني لعمادة الأطباء الجزائريين الدكتور أحمد بقاط بركاني، أن عدد قضايا الأخطاء الطبية التي أحيلت على العدالة بلغ 200 ملف في غضون سنتين، موضحاً أن غالبيتها تتعلّق بطب النساء والتوليد والعيون والجراحة، مؤكداً أن مجالس أخلاقيات مهنة الطب على المستوى الوطني، فصلت في شكاوى رفعت إليها بإصدار 15 إنذاراً بالتوقيف ضد أطباء، كما تلقى 10 آخرون توبيخات مباشرة، فضلاً عن منع 10 آخرين عن مزاولة المهنة. من جهته، يؤكّد رئيس اللجنة الإستشارية لحماية حقوق الإنسان المحامي (هيئة حكومية) فاروق قسنطيني، أن ملفات الضحايا لا تعالج بالشكل المطلوب على مستوى المحاكم، مطالباً بضرورة تخصيص قضاة للنظر بهذا النوع من الملفات بعد خضوعهم لتأهيل خاص. ويعكس تعرض أصحاء إلى أخطاء كارثية لدى دخولهم مستشفيات البلاد، أن الإشكال يبقى قائماً في ضعف إعداد الأطباء. فقد خلصت دراسة حديثة أصدرها خبراء من جامعة شاربوك الكندية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، وتتعلّق بمسح لمستشفيات بلدان المغرب العربي ومؤسساته الصحية، أن الجزائر الأسوأ من حيث التغطية الصحية مقارنة بتونس والمغرب على رغم أنها الأكثر إنفاقاً على قطاع الصحة. وتظهر أن مجمل النفقات تصرف على التجهيزات على حساب تكوين الموارد البشرية وتأهيلها، ما انعكس سلباً على مستوى الرعاية الصحية في البلاد.

مشاركة :