الارتحال إلى فضاءات الخيال، أصبح ضرورة جمالية، في الوقت الراهن من عمر التشكلات اللانهائية للأسئلة الفلسفية الباحثة عن «المعنى» من الحياة، والتي أصبحت بشكل ما تعوق استشعار المتعة الخالصة من الإبداع الإنساني. بين تلك المحاور النوعية، جاءت تأملات الفنان «DON» الذي يعمل ويقيم في دبي، والذي اختار له لقباً فنياً، حيث يتناول في حديثه لـ«الاتحاد» الطريقة التي اكتشف فيها الولادة المستمرة للاحتمالات في الشكل الفني وطبيعة التنوع الحسي في التجربة الشعورية ضمن الممارسة الفنية، قائلاً: «بدأت برحلة المتخيل من خلال أن اختار لنفسي اسماً فنياً، وقد يتراءى للبعض أن هناك أزمة هوية، ولكني أرى أن «DON» ليس هو أنا في الحياة اليومية الاعتيادية، بقدر ما هو تجربة بذاتها تتحرك في الخيال، وتكتشف عوالم غير قابلة للتفسير، وهي بالنسبة لي تعكس بشكل ما حقيقة الحياة، باعتبارها متعة، فنحن بطريقة ما حجمنا من أحلامنا تصوراتنا ورؤيتنا في التوسع والعيش والاكتشاف، ضمن دائرة ضيقة جداً، أفقدتنا حساسية الشعور بالأشياء المحيطة من حولنا، وما أود الحديث عنه في المجموعة الفنية «Enhanced» التي عرضت مؤخراً في منصة «فاوندري» هي الحرية ومداها في أن تهدينا مشاعر بمتعة واسعة، لم نتخيل في يوم أنها موجودة، ما يسمح بتطوير الممارسة الإبداعية للفنانين، ونمو تفاعل المتلقي مع إرادته الداخلية، وقدرته على الشعور بالتفاصيل المحيطة وإعادة تعريفها بطريقته الخاصة. عوالم فنية يوضح الفنان «DON»، كيف أنه في العوالم الفنية يكون حراً تماماً من الارتباط المادي، مثل الشخص الذي يعيش من دون وعي مقصود، مثل القصة الشهيرة «أليس في بلاد العجائب»، فكل ما عاشته الشخصية «أليس» هو بالنسبة لها كان حلماً، لعالم لم تتخيل أنه موجود، وما حدث أنها عاشت الحلم واستمتعت، وبذلك يرى الفنان «DON»، أن استعادة المتعة في الحياة اليومية هي مسؤولية فنية، بقوله: «أريد من الجميع أن يستشعرها، أن يعود لتذوق قيمتها الجوهرية في الحياة، فمن خلالها استطعت أن أبدع تلك الكائنات الفنية التي أشاركم إياها في هذه المجموعة، وأستطيع القول إني لم ابتكرها بالمعنى الفعلي، بقدر ما أني سمحت لنفسي باستحضار المتعة من خلالها، ففي البداية وضعت خطوط خفيفة وعريضة وعامة، ومع الوقت لاحظت كيف أن العالم يتشكل من تلقاء نفسه، وينطلق موجهاً إياي نحو تفصيلة فنية مغايرة من خلال إضافة الابتسامة عبر الشفاه الكبيرة أو الأجنحة على أجساد الكائنات الفنية منها الأسماك والأرانب، وكذلك النباتات المعبرة جميعها بطبيعة الحال عن سمة الفضاء الذي تعيش فيه، ورغبتها في التحليق والاكتشاف». منظور مختلف بالرجوع إلى الأرانب تحديداً، لفت الفنان «DON»، أنها تمتلك مفاتيح العوالم السحرية، وذلك وفقاً لشخصية الأرنب في رواية «أليس في بلاد العجائب» للكاتب لويس كارول، والتي استطاعت أن تهدي الشخصية «أليس» الطريق لعالم مملوء بالشخصيات والتجارب اللافتة، وبالبحث التاريخي فإن الأرنب يمثل في الثقافة الصينية دلالة للأمل والسلام والنماء. وحول مسألة رؤية الأشياء وتخيلها بمنظور مختلف، ودور ذلك في إحداث التوازن في التجربة الإنسانية، إلى جانب تطور الشكل الإبداعي للحياة، يبين الفنان «DON»، أنها تتمثل من خلال مقدرة الإنسان المبدع على إعادة مهمة «الاكتشاف» وأهميتها في النقاشات المجتمعية والثقافية، فمثلاً في إحدى لوحاته يشاهد المتلقي زهرة صفراء، لاحظ وجودها في صحراء الإمارات، ويوضح أنه دُهشَ من قدرتها على النمو في الصحراء، بعفوية تامة، فلم يتطلب الأمر سوى القليل من الماء، واتصال طبيعي مع الأرض، فهي لا تقاوم أبداً، بل تسلم نفسها تماماً للبيئة، ما يوحى له أنها فعلياً تبتسم، للمحيط الموجودة فيه. أخبار ذات صلة الناتو يردّ على طلب أوكراني لبحث الأمن في البحر الأسود إجلاء عشرات الآلاف بسبب حرائق غابات في جزيرة يونانية الرغبة المثالية يضيف الفنان «DON»، أن المبدع دونما ملاحظات وتأملات وإعادة اكتشاف للحياة اليومية، لا يمكن أن يكون فناناً، ما يجعله يحرص دائماً على زيارة البيئة الطبيعية والمساحات الحضرية، ومن بينها زيارته لأسواق السمك، حيث شاهد سمكة الهامور، التي تشكل جزءاً من اللوحات المشاركة في المجموعة الفنية، مطلعاً على الخطوط والنقاط والذيل المائل للسمكة المعروفة في الثقافة المحلية، وقال حول تعريفه لحركة الفنان المجتمعية: «لا يُمكن أن تتصل بالأفكار الفنية، وأنت جالس بالبيت، عليك أن تستجيب للحياة الطبيعية من حولك، فهي دائماً تدلك إلى طرق إبداعية جديدة»، وتابع الفنان «DON» فيما يتعلق بعلاقة الرغبة في الفضاء الإبداعي: لدي لوحة تحمل عنوان «الرغبة المثالية»، فيها يلاحظ المشاهد كيف أن الشخصية «سنووايت» أو بياض الثلج، إحدى الشخصيات الكرتونية الشهيرة، تنظر إلى التفاحة وهي في فم الوحش، ورغم خطورة الموقف، إلا أن «سنووايت» تستمر في النظر إلى التفاحة، وبذلك نتوصل كيف أن حضور الرغبة فينا أكبر من الخطر الذي يحيط بها، وفي عالم المتخيل استطاعت «سنووايت» في نهاية الأمر أن تأكل التفاحة، وتحقق رغبتها، ما يعيدنا إلى قوة إرادتها.
مشاركة :