ستون عاما مرت على مشاركات العازف الموسيقي الشهير غزوان الزركلي في حفلات موسيقية داخل سوريا وخارجها. كانت البداية من دمشق عام 1963 والأحدث في أوبرا دمشق قبل أيام، وما بينهما مسار عمر مهني طويل وصعب، قدم فيه الزركلي المئات من الحفلات والمشاركات في مختلف جهات الأرض يكتب غزوان الزركلي في بروشور الحفل الذي أقيم مساء يوم العاشر من شهر يوليو الجاري في دار الأسد للثقافة والفنون “أوبرا دمشق”، “يسألونني: لماذا تختار أعمالا صعبة؟ عليك بمقطوعات قصيرة ومعروفة وسهلة. أقول: إن جمهورنا يستحق أن يتعرف أيضا على ما هو أوسع وأعمق”. في هذا الاتجاه قدم الزركلي حفله الموسيقي الأحدث، قدم فيه مجموعة من الأعمال الصعبة التي تنتمي إلى فترات زمنية مختلفة وأمزجة موسيقة متعددة، وكان الحفل بمناسبة مرور ستين عاما على بدء مشاركة الفنان الزركلي في حفلات فنية موسيقية محلية وعالمية. غزوان الزركلي قدم في العرض ثلاثة أمزجة موسيقية مختلفة تميز التموضع الزمني والمسار الفني الذي تشكل مع كل منها غزوان الزركلي قدم في العرض ثلاثة أمزجة موسيقية مختلفة تميز التموضع الزمني والمسار الفني الذي تشكل مع كل منها في عام 1963، أقيم حفل موسيقي لفرقة محترفة على مسرح الحمراء بدمشق، وقاد جزءا من الحفل حينها طفل يقف على كرسي حتى يستطيع العازفون متابعة إشاراته، حينها أدرك الجمهور السوري أنه أمام موهبة موسيقية مختلفة، ستصنع الكثير، كان ذلك الفتى هو غزوان الزركلي الذي ولد بدمشق عام 1954 وتدرج في التعلم الموسيقي في معاهدها حتى أتمها، ثم سافر إلى ألمانيا لمتابعة تحصيله العلمي ونال فيها أعلى الشهادات، وكذلك في أكاديميات مصر والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، فنال من المدرسة العليا للموسيقى هانس أيسلر في برلين شهادة ليسانس، ثم شهادة دبلوم وماجستير، أتبعها بشهادة مساعد بروفيسور دكتوراه من كونسرفاتوار تشايكوفسكي في موسكو. بدأ الزركلي تقديم حفلاته الموسيقية عازفا على آلة البيانو منذ أن كان طالبا في ألمانيا، فقدم عزفه بمرافقة فرق احترافية كبرى أمام جمهور ألماني وحقق لديهم انطباعات جيدة أهلته للمشاركة باسمهم في مسابقة مهرجان ليزت بارتوك الدولية في بودابست بهنغاريا، ثم قدم عزفا في العديد من المدن العالمية وحقق فيها حضورا لافتا. كما ساهم بدور هام في تدريس الموسيقى، فكان أستاذا في معهد فايمر في ألمانية ودرّس في برلين وقدم ورشات عمل في العديد من الدول العربية، وكان رئيس قسم البيانو في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، وألف كتبا خاصة في المنهاج الموسيقي التعليمي وله أربعة أعمال خاصة بالمجال وما زال يعلم الموسيقى في معهده في ألمانيا. مؤلفات خالدة قدم غزوان الزركلي في العرض ثلاثة أمزجة موسيقية مختلفة تميز التموضع الزمني والمسار الفني الذي تشكل مع كل منها. فالمساحة الزمنية التي قدمها الحفل تقارب المئة وخمسين عاما تبدأ بولادة بيتهوفن وتنتهي بوفاة ديبوسي عام 1918 وتشكل ثلاثة عصور موسيقية هي الكلاسيكية والرومانسية والانطباعية. ويرى الزركلي في ذلك “أنها ميزة لتعريف الجمهور على الحيوية الكبيرة التي يتطور معها المزاج الموسيقي بين المؤلفين، فخلال ما يقارب الخمسة والسبعين عاما، تغيرت الموسيقى في أوروبا وقدمت ثلاثة عصور موسيقية لكل واحد منها روحه وخصائصه، وهو مكسب للموسيقى يقدم فيها دائما الجديد والمختلف”. ويتابع “تقديم عدة أمزجة موسيقية في حفل واحد كان مقصودا، حتى يتعرف الجمهور على مزايا كل منها وطبيعته، ويكون الحضور متفاعلا لما هو أبعد من مجرد الاستماع ويصل إلى حدود التواصل الإبداعي بين الجمهور والعازف”. غزوان الزركلي: الإنتاج الفني رد فعل إبداعي على الحياة المعيشة غزوان الزركلي: الإنتاج الفني رد فعل إبداعي على الحياة المعيشة موسيقى ديبوسي تمثل المرحلة الانطباعية بمزاجها الخاص الذي يحاكي الانطباعية الفنية عموما خاصة في التشكيل، وفيها قدم افتتاحية بيرغاماسك، وهي مجموعة من الرقصات الشعبية الرشيقة التي يتميز بها شكل المتتالية من حيث تعدد السرعات والمحافظة على سلم موسيقي واحد. أما المرحلة الثانية فقدم فيها مؤلفات لشوبان بما يحمله من روح رومانسية حالمة تتميز بها موسيقى هذه المرحلة وبما تحمله من انسجام مع الروح البشرية تلمس مكامن الجمال الهادئ في التلقي الموسيقي. وقدم له مؤلفَين في قالب الرقص الشعبي الذي يسمى في بولونيا مازوركا كما قدم رقصة مختلفة تقترب من شكل الفانتازيا حملت اسم بولونيز. أما القسم الأهم الذي قدمه الزركلي والذي احتل ما يقارب نصف زمن الحفل فكان سوناتا هامر كلافير للمؤلف بيتهوفن، وهي السوناتا الشهيرة التي تعتبر من أهم المؤلفات التي تقدم في ظهورات آلة البيانو في العالم، وتعتبر حلم أي عازف بيانو أن يقدمها على منصات المسارح. الموسيقى والحياة ينتهج غزوان الزركلي في مسار حياته الفني مذهبا فنيا يرى فيه “أن الفن يرتبط بالحياة وهو موقف جمالي منها، يقوم به الإنسان لكي يعيش حياته بتفاصيلها اليومية، وهو ضروري لإضافة لمسات حياتية يومية تساعده في جعل الحياة أجمل، وهي عملية دائمة لا يمكن أن تتوقف، لأن الحياة مستمرة دائما”. ويتابع عن رأيه في النتاج الفني وضرورة أن يكون الإنسان فيه معارضا إبداعيا للشرط الحياتي اليومي الذي يمكن أن يكون معيقا لحالة الجمال تلك “النتاج الفني هو عملية إبداعية تبدأ من حيث كونها فكرة يريد أن يقدمها المبدع كرد فعل على شيء عاشه، وهي بالضرورة فعل إبداعي معارض بناء يهدف إلى بناء تصور جديد للحياة أو شحن الإنسان بعواطف جمالية راقية، لكي يكون أكثر سعادة في حياته الصاخبة اليومية”. وفي لفتة من غزوان الزركلي لصديق مشوار إبداعي طويل، هو الفنان التشكيلي أيمن الدقر الذي رحل منذ فترة بسيطة، قدم في نهاية الحفل إهداء موسيقيا له بعد رحيله، فقدم الحركة الأولى من مؤلف ضوء القمر لبتهوفن. المعروف بانسيابيته وهدوئه، الأمر الذي تقبله جمهور الحفل بالكثير من التفاعل، فكانت لحظات دافئة، قدم فيها الزركلي عصارة عاطفة الحب تجاه صديق مبدع رحل حديثا ورافقه مشورا إبداعيا طويلا.
مشاركة :