منجزات الأجهزة الأمنية في احتواء مخاطر المخدرات بكبح التجارة بها أو تهريبها تقلل كثيرا من الأخطار التي تتسبب فيها آفة المخدرات، ولكن حين نتعامل معها كسلوك صحي واقتصادي وأمني سلبي فإن ذلك يوفر جرعة متقدمة وكبيرة من الوعي تختصر الجهود الأمنية وتمنح المجتمع حيوية في المكافحة والحد من الأضرار التي تتسبب فيها. كلنا يغبط لمنجزات الأمن في مكافحة المخدرات، وكلما كانت تلك المنجزات كبيرة فذلك يعني أن يقظة وفعالية كبيرة، ولكن من الناحية الأخرى نكتشف أن محاولات الإضرار بشبابنا ومجتمعنا ووطننا وأمننا واقتصادنا أيضا كبيرة، فعلى سبيل المثال أنجزت الجهات الأمنية المختصة خلال أشهر (محرم، صفر، ربيع أول، ربيع آخر) من العام الحالي القبض على 953 متهما لتورطهم في جرائم تهريب ونقل واستقبال وترويج مواد مخدرة ومؤثرات عقلية. وبلغ إجمالي ما تم ضبطه من المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والأسلحة والأموال النقدية في هذه العمليات 26 مليونا و480 ألفا و328 قرص إمفيتامين، و16 طنا و118 كيلو جراما من الحشيش المخدر. ذلك أكثر من رائع كإنجاز، ويجعلنا نثق كثيرا في كفاءة الجهات الأمنية، ولكن لنتخيل حجم تلك العينة من المضبوطات، قرابة ألف شخص يمتهنون هذه المهنة الشائنة، وملايين من الأقراص المخدرة وأطنان من الحشيش.. الى أين تذهب هذه الكميات؟ ومن المستهدف بها إذا حدث - لا قدر الله - وتسربت الى الداخل؟ ذلك عمل ضخم لا يمكن أن يقوم به أفراد دون دعم أو سند وتوجه ضار بأمننا الاقتصادي والاجتماعي، وبسببه أعود الى ما ذكرته استهلالا بأن من الضروري التعامل مع الآفة في الإطار السلوكي الذي يعمل على تشغيل الوعي من أجل رفض أي ممارسات في هذا الإطار وعدم القبول بها تحت أي ظرف من الظروف، لأنه دون وعي بحجم الكارثة التي تترتب على تعاطي أو تجارة بالمخدرات من الصعب أن يتوقف أولئك الغزاة لأمننا والمتجرئون عليه عن تلك العمليات. حين نتعامل في سياق جمعي واع ورافض تماما للمخدرات فإننا نحمي أنفسنا ومجتمعنا ووطننا واقتصادنا من تشوهات كثيرة تجعلنا خارج العقل، ولأننا في حالة بناء مستمرة فإننا بالضرورة مطالبون بأن نرفع مستويات الوعي والحس الأمني واليقظة بعدم تغييب العقل والتورط في حالات كسب غير مشروعة تلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد الوطني، كما أن ذلك يختصر طريقا طويلا وشاقا للجهات الأمنية في عمليات المتابعة والمكافحة، ليبقى الوعي هو المحور الأساس في كل ما يتعلق بمكافحة المخدرات والحد من تلك الإحصاءات المأساوية بحق مجتمعنا ووطننا.
مشاركة :