«الفوضى التامة» هي أصدق وصف يمكن إطلاقه على سوق العمالة مثل السباكين والكهربائيين وعمال البناء والنجارين، حيث يعج السوق بالكثير ممن يدعون الخبرة في هذه الأعمال التي لا يستغني عنها أحد وتحتاجها كافة العائلات، والمؤسف في الأمر أن عامل البلاط مثلا يدعي التخصّص أيضا في النجارة، والسباك الذي تأتي به لتوصيل الغسالة يزعم القدرة على تركيب الفيش الكهربائي وأن هذه هي مهنته الأصلية، وذلك حتى يأخذ أجرته مضاعفة عن أعمال السباكة والكهرباء معًا، دون التفكير في المخاطر التي ستحل بصاحب المنزل إذا لم يكن عمله بصورة احترافية. ويشعر كثير من المواطنين والمقيمين بالضيق عندما تضطرهم الظروف للاستعانة بأحد هؤلاء العمال، وذلك نتيجة مرور كثيرين منهم بتجارب مؤلمة مع عمالة غير ماهرة، ربما تصل الأضرار الناتجة عن عدم تجويد أعمالهم إلى تسرب المياه إلى داخل المنازل وإتلاف الأثاث أو تعطل أجهزتهم الكهربائية بصورة نهائية، أو حدوث ماس كهربائي قد تكون نتيجته احتراق المنزل بالكامل وفقدان الأرواح.. كل ذلك لأن العمالة التي استعان بها ليست لها علاقة بتلك المهنة ولا تعرف أصول الصنعة. إذ نظرنا سريعًا إلى واقع هذا السوق في بلادنا سنجد أن الغالبية العظمى من هذه العمالة الوافدة لم تمارس هذه المهن في بلادها وليست لها علاقة بها في الأصل، وبدأت ممارستها في السعودية بعد وصولها لأنها وجدت أنها تحقق لها دخلاً مغريًا.. لذلك تجدهم ينتشرون بكثافة أمام محلات الكهرباء والسباكة، يتسابقون باتجاه السيارات التي تقصد أمكانهم، على أمل الفوز بزبون «لقطة». ولا تقتصر المساوئ العديدة لهذه العمالة على مجرد الأضرار التي تلحق بالمواطنين بعد الاستعانة بهم، فهم مخالفون للنظام ولا يعملون مع كفلائهم، كما يسهمون في تزايد جريمة التستر التجاري حيث ينتحل كثيرون منهم أسماء مؤسسات وهمية، فيما يعملون في الأساس لحسابهم الخاص.. كما يمارس كثيرون منهم أعمالاً غير قانونية مثل السرقات أو الاتجار في الممنوعات، أو التسول وربما يصل الأمر لترويج الخمور والمخدرات. قبل فترة أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن توجهها لتطبيق «برنامج الفحص المهني» الذي يتم عبر الاستعانة بمراكز مهنية معتمدة في الدول التي تأتي منها العمالة، بحيث يجري التأكد من حرفيتهم ومعرفتهم التامة بأصول المهنة، وذلك قبل قدومهم إلى المملكة.. كما ينص الجزء الآخر من البرنامج على إخضاع العمالة الموجودة حاليًا داخل المملكة إلى اختبارات مهنية عبر المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والجهات الأخرى ذات الصلة. ومع أن ذلك البرنامج كان كافيًا لإيجاد الحلول لهذه المشكلة المتجددة، إلا أنه لم يتم تنفيذه حتى الآن، لذلك أرى ضرورة تفعيله والبدء في تطبيقه فورًا، وأن يكون اجتياز العمالة الموجودة بالمملكة لتلك الاختبارات شرطًا أساسيًا لتجديد الإقامات. كذلك من الأهمية إجراء مسح شامل للسوق لمعرفة أعداد هذه العمالة وجنسياتها وجوانب عملها والمناطق التي تنتشر فيها، فربما نكون في حاجة لزيادة أعدد من يعملون في مهنة السباكة مثلا وتقليل النجارين، فكثير من الإحصاءات تؤكد أن السوق السعودية تعاني من وجود أعداد فائضة من العمال في بعض المهن، ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى التخلص من أعداد هائلة لا حاجة لنا بها. كما يمكن أن توكل مهمة استقدام هذه العمالة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي يتعاظم اهتمام حكومتنا الرشيدة بها في هذه الفترة بحيث تكون هذه المؤسسات مسؤولة عن مستوى جودة الأعمال واحترافية عمالتها وذلك لتوفير المصداقية والشفافية. وألفت النظر في ختام مقالتي إلى أن هذا الأمر في غاية الأهمية، فهذه العمالة تدخل منازلنا وترى ما بداخلها ومستوى معيشتنا، لذلك لا بد أن تكون لها مرجعية نتوصل بها إليها في حالات الضرورة، فكثير من الموطنين تعرضوا للسرقة ممن دخلوا منازلهم لأسباب متعددة، وكانوا مصدرًا لعصابات إجرامية أمدوها بمعلومات عن منافذ الدخول والخروج للمنازل ومستوى تأمينها.
مشاركة :