ماجد كيالي يكتب: عن وظيفة أو جدوى السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان

  • 8/4/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

أثارت المعارك الدامية والمدمرة التي شهدها مخيم «عين الحلوة»، للاجئين الفلسطينيين في لبنان (قرب صيدا)، التساؤل عن مشروعية السلاح الفلسطيني، داخل المخيمات وخارجها، وتوظيفاته، وجدواه السياسية. واضح من الأحداث الجارية أن المخيمات الفلسطينية في لبنان، بسبب وضعها الخاص، وهشاشة الوضع اللبناني، وانقساماته الطائفية والسياسية، وتراجع مكانة منظمة التحرير، لأسباب ذاتية وموضوعية (ضمنها الانقسامات الداخلية)، باتت أكثر قابلية للتوظيفات السياسية البعيدة عن الأجندة الوطنية. المشكلة أن هذه التوظيفات لا تقتصر على قوى إقليمية دولتية، وإنما تشمل قوى لا دولتية أو فوق دولتية، مثل الجماعات الإسلامية المتطرفة، والجماعات الإرهابية؛ فضلا عن الجماعات الخارجة عن القانون وعن سلطة الدولة في لبنان، وهذا يفيد بأن الاقتتال الذي شهده مخيم عين الحلوة ربما يؤشر إلى إمكان تكراره، في مراحل أخرى، أو في مخيمات أخرى، وبحسب تطور الأوضاع في لبنان، وتطورات الصراع على منطقة الشرق الأوسط. لهذه الأسباب يمكن القول بأن الكيانات السياسية الفلسطينية الفاعلة معنية بمراجعة أحوالها في لبنان، ومن ضمن ذلك مراجعة خطاباتها وبناها وأشكال عملها، ولا سيما بما يتعلق بشأن التواجد المسلح على الساحة اللبنانية، ما يفترض ضمنا العمل على طي مسألة التواجد العسكري في لبنان خارج المخيمات وخارجها، لقطع الطريق على استدراج الفلسطينيين في الصراعات الداخلية اللبنانية، ولوضع حد لعمليات التوظيف الخارجي للقضية الفلسطينية وللسلاح الفلسطيني. وحينها يمكن للفصائل التي تحبذ السلاح أن تركز جهودها على المقاومة ضد الاحتلال، وأن ترحم الفلسطينيين في لبنان، بما تبقى لهم من مخيمات. إن الحضّ على هذه المراجعة الضرورية تستند إلى المنطلقات التالية: أولا، إن الفصائل التي ظلت تحرص على إبقاء وجودها العسكري في المخيمات وخارجها، لم تعد تقوم، من لبنان، بأي فعل من أفعال المقاومة المسلحة في مواجهة إسرائيل، لأسباب متعددة، أي إن حديثها عن السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها (في لبنان)، يتوخى خدمة أغراض سلطوية، وربما خدمة أطراف أقليمية، مع علمنا بأن الفصيلين الرئيسيين أي فتح، وهي سلطة في الضفة، وحماس وهي سلطة في غزة، ترفضان أي سلاح آخر في الحيز الجغرافي اللذان تسيطر كل منهما عليه، إن لم يكن تحت سيطرتها. ثانيا، إن حرص الفصائل على إبقاء تشكيلاتها العسكرية في مخيمات لبنان لا يبدو مفهوما ولا منطقيا، في وقت كانت استقالت فيه تماما من باقي الوظائف السياسية والاجتماعية والثقافية والخدمية، التي كان يفترض أن تقوم بها في إطار المجتمع الفلسطيني في المخيمات. ثالثا، إن الحديث عن سلاح المخيمات يتم على ضوء تجربة مريرة دفع خلالها فلسطينيو لبنان ثمنا باهظا، من أرواحهم وممتلكاتهم ومعاناتهم، من دون أن تجلب عليهم أية عوائد، على صعيد حل قضيتهم، أو على صعيد تأمين حقوقهم المدنية ـ الاجتماعية، كمقيمين مؤقتين على أرض لبنان. ومعلوم أن الفصائل الفلسطينية عموما لا تول أهمية لائقة للحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين، ربما رغبة منها في استمرار توظيف قضيتهم، من منظور ضيق. رابعا، إن الظروف الدولية والعربية المحيطة جعلت من لبنان مجالا للتصارع الإقليمي، وبذلك باتت مخيمات لبنان مجالا للتنافسات والتوظيفات السياسية، ما جعل من مخيم عين الحلوة بؤرة للجماعات الأصولية المتطرفة والمتعصبة، وموئلا للخارجين عن القانون، وعن سلطة الدولة اللبنانية، وكلها جماعات يسهل توظيفها من قبل القوى الفاعلة في لبنان وفي عموم المنطقة، ما يلحق أفدح الضرر بالقضية الفلسطينية، وبأحوال اللاجئين في المخيمات. خامسا، لا شك أن الخلافات الداخلية الفلسطينية بدورها تخلق أوضاعا متوترة في مخيمات لبنان. وبديهي أن هذه الخلافات المعطوفة على إشاعة البنى العسكرية، وفلتان السلاح، وتمجيد ثقافة العنف، ورفض الآخر، من شأنها أن تؤدي، في ظل غياب المقاومة (وهي الوظيفة الوطنية للسلاح)، إلى الفوضى، والانفلاش، وغياب المرجعيات، وارتداد شحنة العنف إلى الداخل (لاحظ الوضع المتفجر والمؤسف في غزة). في الواقع لا شيء يجعل من فلسطينيي لبنان استثناء بين كل الفلسطينيين في مناطق اللجوء بالنسبة لحمل السلاح، خصوصا في ظل المعطيات السياسية السائدة، الفلسطينية والعربية والدولية. طبعا ثمة من يبرر السلاح الفلسطيني في لبنان، بضرورة إيجاد نوع من الرد على اعتداءات إسرائيلية محتملة، بنتيجة أحداث معينة، ولكن هل يستطيع الفلسطينيون فعلا حماية أنفسهم بالسلاح الذي يمتلكونه، في مواجهة طائرات ومدفعية وصواريخ إسرائيل. وما هو مصير الدولة اللبنانية إذا كان ثمة تسليح ذاتي لكل الجماعات في لبنان؟ ثم ألا يضع ذلك الفلسطينيين في احتكاك مع باقي الجماعات اللبنانية، على تفاوتاتها وتلاوينها؟ أيضا ثمة من يبرر السلاح الفلسطيني في المخيمات بضرورة الأمن الذاتي تخوفا من التحولات الداخلية اللبنانية. وبرغم من مشروعية ذلك، على ضوء التجربة الفلسطينية في لبنان، فإن السلاح الفلسطيني في لبنان لا يقلل من هذه المخاوف، وإنما هو يغذيها ويعززها ويستفزها، بخاصة أن هذا السلاح سيكون عرضة للتوظيفات الداخلية والإقليمية. كذلك فثمة من يرى إمكان مقايضة سلاح المخيمات بالحقوق المدنية والاجتماعية، ورغم مشروعية هذه الحقوق وأهميتها للفلسطينيين ولسلامة العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية، لكن هكذا مقايضة لا تبدو في محلها، راهنا، لأن هذه الحقوق تحتاج إلى مجال ثقة متبادلة، كما تحتاج إلى عنوان سياسي، ولا يمكن أن تأتي تحت الضغط في الظروف اللبنانية الراهنة. على ذلك وفي ظل انتفاء فعل المقاومة، وغياب المشروعية السياسية، فإن الفلسطينيين، كفصائل وكمجتمع مدني، معنيون بمراجعة وظيفة السلاح لديهم، فهو ليس غاية في ذاته، ولاسيما لجهة رفع الغطاء عن القوى التي تتعاطى بالسلاح لتوظيفهم في مهب السياسات المحلية أو الإقليمية وفوق الإقليمية، مع علمنا بأن الأطراف الإقليمية، سيما إيران، والنظام السوري وحزب الله (المسيطر في لبنان) لديهم مصلحة في امتلاك الورقة الفلسطينية، بمعية أطراف فلسطينية تظن إنها بذلك تقوي مكانتها، إزاء القيادة السائدة المتمثلة بقيادة المنظمة والسلطة وفتح، وهو اعتقاد خاطئ، ويمكن أن يؤدي إلى مخاطر، تطال الشعب الفلسطيني وقضيته، كما أن ذلك سيطال تلك الأطراف الفلسطينية في صدقيتها وفي شرعيتها.

مشاركة :