أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. وقال “الحذيفي”: في هذه الآية يأمر سبحانه وتعالى بعبادته إحسانًا من ربنا وكرمًا ورحمة، وإعدادًا للإنسان وإمدادًا له ليرقى في درجات الكمال البشرى في الدنيا بإصلاحها بسنن الله المرضية التي أرشد إليها عباده الصالحين، وليترقى الإنسان في درجات العبادة ليبلغ ما قدر له من الكمال بهذه العبادة، وليصلح الإنسان نفسه بعبادة ربه التي اشتملت على جميع الأعمال الصالحات، وحفظت العبد من الخبائث والشرور والمهلكات، وضمنت له نعيم الآخرة في الجنات فقد تكفل الله لمن قام بعبادته بالنجاة في الآخرة من العذاب الأليم ذي الدركات، وعبادة الله هي الغاية والحكمة من الخلق قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أكثرهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}. وأضاف: إن ما فرض الله علينا من العبادات وما نهانا عنه من المحرمات هو بعض حقوق الله علينا؛ لأن حق الله على العباد أن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر وأن يُحَب أعظم من حب النفس والمال والأهل والولد، وأن يقدم حبه على حب كل شيء، وأن يتذلل له العبد، ويخضع تمام الذل والخضوع ويفرح بهدايته أشد الفرح، فالرب هو المستحق للعبادات لذاته؛ لما اتصف به من صفات الجلال والكمال والعظمة والكبرياء والرحمة والقدرة على كل شيء، ولما أسبغ على الخلق من النعم الظاهرة والباطنة، ولما اتصف به من الأسماء الحسنى، والصفات العلا. وتابع إمام وخطيب المسجد النبوي: إن أعظم وأكبر فضل من الله أن بيّن الله لنا وللناس العبادات التي ترضيه، والمعاصي التي تغضبه وتؤذيه، ليكون المسلم عبدًا خالصًا لله قويًا بربه منطرحًا على بابه ليعطيه الخيرات ويدفع عنه الشرور والمهلكات، فالعبادة يرفع الله بها شأن الإنسان، وقد قال عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فأقوى إنسان في الوجود هو الموحد، و أضعف إنسان في الوجود هو المشرك بالله، وأن نعمة أعظم من نعمة العبادة لله وحده لا شريك له، التي يعافى بها العبد من رقة وعبودية الآلهة والمعبودات الكثيرة التي لا تُعَد ولا تُحصى ولا تنفع من الأصنام والأوثان، والأهواء المظلة التي تصد عن الحق قال سبحانه: {أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا}، والشبهات المكفرة باتباعها، إلى غير ذلك مما يوقع في الشرك بالله تعالى والعبادات لله سبحانه هي عبادات القلوب، وعبادات الجوارح والأعضاء فعبادات القلوب أفضل وأجل وهي الدعاء والإخلاص والإيمان واليقين والتقوى والإحسان والتوكل والإنابة والمحبة والرغبة والرهبة والخوف والرجاء، والحب في الله والبغض في الله والزهد والورع إلى غير ذلك من أعمال القلوب، وممن فسر هذه المعاني العظيمة الإمام ابن جرير وابن كثير في تفسيريهما والإمام ابن القيم في مدارج السالكين بما لا مزيد عليه تفسيرًا كالعسل المصفى، والصحابة رضي الله عنهم فاقوا الأمة باعتنائهم وتحقيقهم عمل القلوب فهي أساس عمل الجوارح، وعمل الجوارح هو أركان الإسلام الخمسة وما بعدها تابع لها. وأكد “الحذيفي” أن العبادات لله تعالى هي الغاية والحكمة من خلق هذا الوجود وما فيه؛ لأن الوجود لا يصلح إلا بها، ولأن عبادة الله هي التي تحفظ حقوق الله وهي الوسيلة إليه، وتحفظ حق رسوله صلى الله عليه وسلم ثم تحفظ حق الوالدين وحق ولي الأمر وحق الأقرباء وحق الخلق بعضهم على بعض، والناس في القيام بعبادات الله درجات بعضها فوق بعض فأعلى الناس درجة في عبادة الله من إذا قام بعمل صالح أراد به رضوان الله وثوابه، فاحرص أن تريد بالعمل رضوان الله أولًا مع رجاء ثوابه. وأردف: الدرجة الثانية من درجات العبادة هي القيام بالعمل الصالح مع إغفال استحضار إرادة رضى الله تعالى قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا}. وبيّن أن الدرجة الثالثة من درجات العبادة هي أن يقصر في بعض الواجبات ويغشى بعض المحرمات تقصيرًا لا يبطل العمل، وأن أخطر درجات هي أن يدخل في العبادة ويخرج منها فهو على ما مات عليه قال جل من قائل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}. وختم إمام المسجد النبوي بالحث على المسلمين على عمل الصالحات وإحسان الظن بالله قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
مشاركة :