قد تمر علينا عشرات الأمثلة المقروءة أو المسموعة أو المشاهدة حول مواقف صعبة مر بها أشخاص في حياتهم، وكان لها هيجان نفسي مضطرب داخل النفس، وبعد فترة من الزمن يجد في داخله عشرات الأفكار والكلمات التي تدور حول الامتنان لحدوث تلك المواقف الصعبة، لما لها من آثار إيجابية ضخمة في الحياة. والسبب البسيط والعميق أن هذه المواقف الصعبة أخرجت صاحبها من منطقة الراحة المعتاد عليها (Comfort Zone)، إلى منطقة أخرى جعلت من تلك الطاقة الكامنة الهائلة لدى الإنسان تتحرك في تسارع مثير للتقدم والتطور، بعد أن كانت خاملة مستقرة دون حركة. وطبيعة الإنسان وتلك السنن الكونية التي أوجدها الله سبحانه وتعالى فيه تتماهى مع تلك المراحل الأربع، التي ينتقل فيها من مرحلة الأمان أو الراحة (Comfort Zone)، إلى منطقة النمو (Growth Zone)، مرورا بمنطقة الخوف والفزع (Panic Zone)، ومنطقة التعلم (Learning Zone). انظر مثلا الى التغييرات الجذرية التي حدثت لك في السابق، أو شاهدتها على مرأى العين، ستجد تلك المفردات المتتالية: راحة وخوف وتعلم ونمو، هي هكذا. والبقاء في مناطق الأمان والراحة لا يتوافق مع الصبغة الخلقية التي أوجدها الله، فيه كما جاء في معاني الآية الكريمة: (لقد خلقنا الإنسان في كبد). لقد خلقنا الإِنسان لهذه الشدائد والآلام، التي هي من طبيعة هذه الحياة الدنيا، والتي لا يزال يكابدها، ويتفاعل معها. حتى آخر لحظات الحياة، فالكل يجاهد ويكابد ويتعب، لبلوغ الغاية التي يبتغيها. وسنة الله في خلقه عندما يتوقف النمو في العمر، تأتي تلك اللحظة الأخيرة للإنسان، وهذا أيضا في شؤون الحياة الأخرى يتماهى مع مبدأ أن التوقف في النمو ورغبة الاستقرار وعدم التغير، هو بمثابة موت الفاعلية للإنسان، والتي لا تليق بطبيعته في المكابدة والنمو. ما يشعرك بالارتياح هو ما يدمرك، وما يشعرك بالمشقة هو طريقك الوحيد للتطور والنمو. أجدني مطمئنا في تلك الفكرة التي أبشر بها لدى الأصدقاء والزملاء، من حيث سرد تلك الفكرة التي قد تبدو متناقضة للوهلة الأولى في السعي إلى التقاعد المبكر، وعدم التوقف عن العمل، وأقصد في ذلك أن البقاء في حالة نمو ومزاولة للأعمال لا يرتبط بعمر وظيفي، وإنما التقاعد المبكر قد يساعد في إحداث التغيير المطلوب لحالة الأمان المعتادة. وتجارب الناس في هذه المسألة عندما يتأملها الإنسان على ثلاثة مسارات: الأول: استيلاء فكرة الراحة والأمان على عقل صاحبها، وهي كمن يضع نفسه داخل حيز مغلق الإحكام يمنع النمو والتطور. والثاني: الظروف الحياتية التي أجبرت صاحبها على الخروج من تلك الحدود إلى حيز الراحة المعتاد، وتجده بعد فترة من الزمن كما تحدثنا سابقا يردد كلمات الامتنان لتلك الأحداث الحياتية الصعبة، التي حدثت له وجعلته ينطلق إلى آفاق النمو. والثالث: الواعي والحكيم هو ذلك الإنسان الذي يدير دفة الخروج من مناطق الراحة من تلقاء نفسه، إيمانا واعتقادا بأنه الطريق الأمثل الذي تستقيم له كل الاعتبارات والمآلات. كثيرة هي تلك الأمور التي تحدث تغييرا جوهريا في أصحابها، ابتدأت من الأفكار الصحيحة الموجودة، أو التي نالها حظ التصحيح والتجويد، ولا يمكن للتغيير الإيجابي الحقيقي أن يحصل دون المرور ببوابة القناعات، والتي أجملها في هذا الجانب ابن القيم في مقولته الشهيرة: (أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن فارق الراحة رافق الراحة). fahdabdullahz@
مشاركة :