قانون الجرائم الإلكترونية من جدل الإقرار إلى حوار التطبيق

  • 8/16/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كرة الثلج التي تدحرجت مع مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، قصفت أغصاناً كثيرة في طريقها، فالمعارك الفرعية، تعددت وتنوعت،لتصل لتراشق حول مفهوم النخبة الأردنية، وعلى الرغم من أن الحديث كان يدور ظاهرياً حول اليسار تعريفاً وممارسةً في الأردن، إلا أن في عمقه تبدى جانب من صراع النخب نفسه. مع استبقاء هذه المقدمة، ثمة حوار يمكنه أن يلقي الضوء على إشكالية النخب، ومن ثم الدخول في موضوع قانون الجرائم الإلكترونية منذ مباشرة مساره الدستوري وصولاً إلى توشيحه بالإرادة الملكية والحديث الملكي المباشر والصريح في اجتماعه مع رئيس وأعضاء مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان، والحوار كان مع صديق يعمل في المحاماة حول القانون، وكنت أخمن أن تدخلاً ملكياً يمكن أن يحدث برد القانون، أو على الأقل، التمهل في إقراره لفترة من الوقت، إلا أن صديقي، أخذ يؤكد على أن القانون لا يمثل أي إشكالية أمام المواطن العادي الذي يعايشه ويتعامل معه خارج أقنعة النخبة التي نرتديها، يقصد من يكتبون ويساهمون في الجدل من مدخله السياسي، وأن معظم أحاديث الناس (العاديين) أي السواد الأعظم من المواطنين يهتمون بالتعديلات المرتقبة على قانون السير، وأننا لا نرى نفس الواقع، لأن حضورنا في المجال العام يكون مصحوباً بتحيزات مسبقة لنبحث عما يؤيد أفكارنا، أو ينفي أفكار خصومنا في النخبة. كلام لم يكن ممكناً أن أنكر وجاهته، وأن أفكر فيه، من غير أن يحدث تغيير جذري في موقفي الذي يقوم على تخوفات فعلية من استغلال بعض (النخبويين) الذين أعرفهم أو لا أعرفهم للقانون من أجل التحصن وراءه والتحرر من الضغوط التي يمارسها الرأي العام تجاههم. وفي المقابل، حضرت إلى ذهني مجموعة من التعليقات المسيئة التي ذهبت إلى التفتيش في ضمائر مجموعة من المواطنات والمواطنين الأردنيين ونواياهم، وكنت واحداً منهم، وكانت مجموعة من الأصدقاء الذين أخذوا يقفون ضد قانون الجرائم الإلكترونية، ومع ذلك، بقيت مخاوفهم من التطبيق الخاطئ للقانون أعمق وأوضح من حرصهم على قانون يمكن أن يجنبهم التجريح والمضي إلى أسلوب حياتهم الشخصي بدلاً من مناقشتهم في تفاصيل قانون مطروح للمناقشة في الفضاء العام، وحضرت أيضاً مجموعة من التفاعلات المسيئة تجاه منشورات بسيطة من أشخاص على قدر كبير من البساطة ليصبحوا ضحية بين لحظة وضحاها لمختلف أصناف وضروب التنمر لهفوة أو خطأ أو لمجرد اختلافهم عن السائد أو حتى عن ذوق شخص معين أو تفضيلاته. كل هذه التفاصيل استحضرت أو غيبت في حوار النخبة مرتفع الصوت في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى اصطفافات أفقية وعمودية داخل النخبة الأردنية التي يبدو أن القانون كان يتعلق بقدرتها على صيانة صورتها وإعادة إنتاجها سواء كانت في السلطة أو على هامشها أو على الجانب الآخر منها. الحديث عن احتمالية رد الملك للقانون أتى ليعبر عن احتكار هذه النخبة وتصوراتها ومصالحها للمجال العام، فجانب من النخبة تواصل مع أطراف دولية وإقليمية مهتمة، وتحرك في الصحف والمنصات، واستطاع أن يأتلف في اجتماعات وندوات. الحالة التي أنتجها القانون هو صراع سياسي على هامش قانون ينظم الفضاء الإلكتروني من خلال استثماره لقوانين قائمة وواضحة في غير العالم الافتراضي، فقانون العقوبات يفصل في حالات القدح والذم والتشهير، والمواد في قانون الجرائم الإلكترونية، راعت بصورة كبيرة الردع لأن مدى انتشارها واسع وعشوائي ومستدام، لدرجة أن المشرع الأوروبي، استحدث حق الإنسان في أن ينسى سنة 2014 لحماية من ترد أسماؤهم في تقرير أو آخر على شبكة الإنترنت، ويبقى عصياً على التقادم لأنه عرضة لنتائج البحث في أي وقت. توجد مشكلة جذرية في الحكومات الأردنية في مسألة التواصل حول المعلومات، ويعاني النواب أنفسهم من ذلك، وتحدث عدد منهم عن مشكلة المراسلات مع بعض الوزارات لدى طلب معلومة أو أخرى، فكيف بالمواطن العادي، ولذلك أتى التوجيه الملكي بمراجعة قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، بما يكفل حق الجميع في الحصول على المعلومات الصحيحة والدقيقة وبشكل سريع مما يساهم في الرد على الإشاعات والأخبار الكاذبة، بالطريقة التي يمكن أن تغلق القوس حول جملة مفيدة أسسها قانون الجرائم الإلكترونية الذي لا يمكن أن يحقق فاعليته بينما العديد من المعلومات والبيانات غائبة عن المواطنين والمتابعين. الخطاب الملكي، أتى ليحرج أيضاً، جانباً من النخبة أو الطبقة السياسية، فالتعبير عن الرأي أو انتقاد السياسات العامة سيبقيان، ولكن في إطار موضوعي، يبتعد عن الشخصنة وعن التجريح الذي يمكن أن يعود استغلالهما من ناحية قانونية لحماية القانون الذي يستوجب النقد، فمن الذي يمكن أن يحاكم مواطناً أو يلاحقه إذا وصف قانوناً بأنه متعجل أو لا يغطي الحالات كافة أو يحمل افتئاتاً على فئة معينة، أو لا يتماشى مع متطلبات المرحلة، ولكن، المواطن سيكون مطالباً بأن يقدم بينة في حالة اتهامه لوزير أو مسؤول بأنه تلقى رشوة مقابل تمرير قانون، وهذا حق لأي مواطن وبغض النظر عن موقعه أو مكانه، كما ويمكن للمواطن أن يلجأ إلى موقع هيئة مكافحة الفساد مثلاً ليكتب الحقائق أو حتى الشكوك التي يمتلكها في قضية معينة. القانون أتى لحماية المواطنين العاديين، والمسؤولين في الصفوف الأولى من المواجهة مع المواطنين، لأنه قانون يحمي الحالات الإفرادية الصغيرة التي تخسر سمعتها لمجرد تصفية حسابات صغيرة، أما النخبويون، فكثير من معاركهم لا تكون في حيز التطبيق القانوني الأردني ومن ينتقدهم عادةً ما يكون محصناً بالحنكة والمعرفة والقدرة على المناورة وليس الشخص الذي يمكن أن يتحول إلى عدو لنفسه لمجرد انجراره بتلقائية ومن غير تفكير إلى حفلة جماعية لتصفية حسابات ليس صاحب مصلحة فيها ولا يعلم عنها شيئاً. قانون الجرائم الإلكترونية أحد القوانين التي تنصرف إلى بيئة سائلة بالمعنى الذي تعالجه مفاهيم الحداثة، ولذلك يجب أن يبقى تحت المراجعة المستمرة والتجويد المتواصل، لأن قانوناً يرتبط بالتكنولوجيا، يجب أن يحظى بنفس المرونة التي يوفرها عالمها المتشابك والمعقد والعابر للحدود، ولذلك، يجب أن تبقى عيون الجميع مفتوحة على اتساعها، مع القانون أو ضده، مع هذه المادة أو ضد تلك، من أجل ألا يتجاوز الواقع وتطوراته القانونية أو يجعله قانوناً غير قابل للتطبيق، أو مولداً لمشكلات أكثر من المنافع المرجوة منه. الرأي

مشاركة :